طالب عبد العزيز
هناك ما يشبه الإعتقاد، وهو طموح مشروع أيضاً، تسلل الى عقول بعضنا، نحن الكتّاب والشعراء والمشتغلين في حقل الثقافة بعامة، مفاده وجوب إحاطتنا بكل ما يقع بين أيدينا من المعارف، وهي كثيرة، ومغرية، ولها في النفس حاجات وحاجات، لكنها مُشتِّتة ومرهِقة، في الوقت ذاته،
فقد ينفق أحدنا عمراً بأكمله دون الوصول الى بغيته في الإحاطة تلك، وكثيراً ما وجدنا بيننا من ذهب بكليته الى تحصيل علم أو فكر مجاور لتخصصه، وأنفق عليه من المال والجهد الكثير، لكنه لم يأت إلا ببعضه، وبذلك يكون قد تأخر أو خسر حقل تخصصه، ومشروعه الكتابي، الذي توسمناه فيه، في دوامة لم تُمنهج كما يجب، ولم توجه التوجيه الصحيح.
هذا لا يعني أنَّ السعي هذا يفسد صنعة الكاتب، أبداً، فقد يُوهَب البعض منا توقد الذهن والوقت والجهد فيجني من ذلك الكثير المفيد، الذي يعزز من مهارته، ويضيف لحقل تخصصه الفرادة والجمال والاهمية، فكاتب الرواية بمسيس الحاجة الى تجديد وإدامة وعيه وأفكاره عبر إطلاعه على كتب الفلسفة والعلوم الانسانية الأخرى، والفنان والموسيقي والشاعر وسواهم لن يكونوا بغنىً، أبداً عن تأمل ما يجاور حقول تخصصهم، ففي ما نقرأ لكبار الكتاب والروائيين والشعراء كثيراً ما نطلع على الوجه الآخر لمعارفهم، من خلال علاقتهم بآخر العلوم في حقول مختلفة مثل الآثار والتاريخ والاجتماع والسياسة والأديان وغيرها، لكننا، نعتقد بأنَّ هذا لا يتم دونما تخطيط، فقد ينتهي بصاحبه الى الشطط وفقدان البوصلة.
ولعل الأمر يتعقد أكثر عند البعض من زملائنا، من الذين أتيحت لهم الإحاطة بأكثر من لغة، ممن استوطنوا أوروبا وأميركا وغيرها، وتنوعت مصادر قراءتهم، حتى صرنا لا نتذكر معهم صورتهم الأولى التي خرجوا بها(شعراء وروائيين ووو)إنما صورة أخرى أكبر وأوسع، وقد ازدحمت أحاديثهم بالمصطلحات والأسماء والأفكار، والله نشهد، بأنهم باتوا يثرون لغتنا وثقافتنا بالجميل والعظيم من الأفكار والمعارف. وهنا، قد نضطر الى السؤال التقليدي: هل تفسد المعرفة الكبيرة الصنعة البسيطة؟ نحن لا نعثر في حوارات الجواهري ونجيب محفوظ وحنا مينة وإدوارد خراط والتكرلي، ولا حتى مع أدونيس(المفكر والشاعر) وغيرهم على مفكرين وأصحاب مشاريع فلسفية، إنما على روائيين وشعراء، برأيي البسيط أجدُ أنَّ قراءة الفلسفة عند الشاعر والكاتب هي للمتعة وتنمية الأفكار أكثر مما هي للأعتقاد والانتماء.
في الأخير نقول بأنَّ ثقافتنا في العراق تقع في ذيل اهتمام مؤسساتنا السياسية، ولا تمت دوائرنا الثقافية بصلة حقيقية الى ما يعتمل ويدور من حولنا في حقول المعرفة الكبرى، وما الجهود التي نراها في صحافتنا، ودورياتنا هنا وهناك، إلا ما تشتغل عليه بعض النخب المدركة- وهي شخصية جداً- لماهية الثقافة في بناء المجتمعات، لذا، نقول بأنَّ عجلة الفكر والثقافة بعامة في بلادنا تسير دونما موجهات تذكر، وهنا تكمن مواطن الخوف من اعتقادنا بوجوب تأمل ومعاينة قضية مثل التحصيل والإحاطة بما يقع بيننا من المعارف، فقد تكون على حساب التخصص الذي وجدنا أنفسنا عليه.