TOP

جريدة المدى > عام > سامبين.. سيرة أحد أهم رموز الرواية والقصة الأفريقية

سامبين.. سيرة أحد أهم رموز الرواية والقصة الأفريقية

نشر في: 8 مايو, 2021: 10:05 م

علاء المفرجي

إذا كانت الذاكرة الثقافية تحتفظ لعثمان سامبين باعتباره ( أبو السينما الأفريقية السوداء ) فإنه لم يلج بوابة الفن السابع إلا في فترة متأخرة من حياته ( درس السينما وهو في الأربعين من عمره ) ..

فعثمان سامبين المولود عام 1923 من أسرة صائد أسماك في قرية على ضفاف نهر كازماس في السنغال اختزنت ذاكرته الأساطير والطقوس ومنابع الفلكلور الأفريقي والتي جعلت منه في طليعة الأدباء والفنانين الأفارقة الذين استثمروا التراث والفلكلور الأفريقي في خدمة القضايا الثقافية والاجتماعية وفي تأكيد الهوية في مواجهة الوجود الكولنيالي .
وكان دخوله هذا الفن من بوابة الأدب الذي توجّه كأحد أهم رموز الرواية والقصة الأفريقية الى جانب وول سوينكا و نسيتوا اتشيبي وإن لم يحظَ بالشهرة العالمية لهما.
في هذه السيرة الشخصية لهذا المبدع الأسطوري التي وضعها د. وجدي كامل صالح في كتاب (سامبين روائياً ومخرجاً سينمائياً افريقياً) كانت الانعطافة الأهم في حياة هذا المبدع الكبير عندما أبحر مختبئاً في سفينة بضائع الى فرنسا حيث بدأ حياة جديدة تجلت في ممارسته النشاط النقابي مدفوعاً من مشاهد البؤس للعمال الأفارقة في المهاجر، ليصبح بعد فترة قائداً لاتحاد نقابات العمال الأفارقة في مرسيليا في فترة تبوأت فيها الانتجلنسيا الأفريقية في فرنسا مكاناً متميزاً تمثل في إقامة الأنشطة الثقافية المختلفة، حيث وجد سامبين نفسه في خضمها في مواجهة دعاة تيار (الزنوجة) الذي مارس تأثيراً فكرياً مهماً وكان من أبرز دعاته الشاعر السنغالي ليبولد سنغور والمارتيني ايمي سيزير، انطلاقاً من وجهة نظره المتمثلة بأن القضية ليست بالعودة الى الماضي، بل الانحراف منه كزوادة للمعركة من أجل التحرر.
الخطوة الأولى في المسيرة الإبداعية لسامبين كانت في منتصف عقد الخمسينيات عندما صدرت أولى أعماله الروائية (عامل الميناء الاسود) .. والتي اكتنفها الضمور والضعف الفني الواضح، ولكنه سرعان ما ينطلق بأدواته الفنية ويقوي عود حرفيته في روايته التالية (وطني.. شعبي الجميل) ثم (آلهة الأخشاب) وغيرها من الأعمال.
القصة القصيرة في أعمال سامبين تأخذ مكانة متميزة في مجمل إبداعه، بل قد بوَّأتّه كأحد أهم كتّابها بالأدب الأفريقي المكتوب بالفرنسية بسبب (بساطة السرد، والمشهد البالغ التركيز والسبك الذي لا يتوفر عند قاص آخر) وليس غريباً إن وجدت عدد غير قليل من قصصه القصيرة طريقها الى السينما.
السيرة الشخصية لسامبين وسيرته الإبداعية كروائي وقاص، فرضت ولوجه بعد سن الأربعين بوابة السينما حيث اختار دراسة مبادئها الأساس في موسكو باستوديو غوركي على يد أحد أساطين السينما السوفيتية المخرج مارك دونسكوي والمنظر سيرغي غيراسيموف بداية ستينيات القرن المنصرم.. ويوقع بعد عودته الى أفريقيا على أول أفلامه عن إمبراطورية سوهاري.. لكن إبداعه الحقيقي يتجلى مع الفيلم الوثائقي (الحوذي) عام 1963 الذي تميز بتنوع مضامينه والتي تلتقي بالشكل الأنساني والطموح الذي تعيقه المشاكل والهموم، والفقر، والأحلام المستحيلة.. وهو الموضوع الذي عزف عليه في فيلمه الثاني (نياي) وإن كان بمعالجة مختلفة حيث التقاليد الصارمة في مجتمع ريفي متزمت.. ذهب فيه بعض النقاد الى مقارنته بموضوعات التراجيديا الإغريقية القديمة.
هذه التجربة السينمائية كانت كافية لمنح سامبين كسينمائي امتياز الريادة بل الأبوّة في هذا الفن في أفريقيا، فهو مع فيلم (سوداء من ....) عام 1966 يكون صاحب أول فيلم روائي أفريقي طويل، ومع فيلم (الحوالة البريدية) 1968 صانع أول فيلم أفريقي ملون في تاريخ سينما أفريقيا الاستوائية.
أما في فيلم (حوالة بريدية) والمقتبس عن أحد أهم قصصه القصيرة، فقد اعتبر حينها حدثاً ثقافياً مهماً في السنغال ونقطة انعطاف مهمة في تاريخ تطور سينما أفريقيا الاستوائية.
في عام 1973 ينجز سامبين عن قصة أخرى له فيلماً بعنوان (خالا) وهو فيلم روائي طويل ثم (الهروب) و(سيدو) وكان آخر أعمال سامبين الفيلم الروائي الثاني عشر (مولاد) الجزء الثاني بعد فيلم فات كين 2001 من ثلاثية تمجد حياة النساء (بطلات الحياة اليومية) كما يصفهن، فقد عمد في أغلب أفلامه الى إبراز دور النساء وأهميتهن في الحياة
خلاف الكثير من الأدباء الذين اجتذبتهم السينما، فقد تلازم الأدبي والسينمائي في إبداع سامبين بشكل لا انفصام فيه.. فإذا كانت لدى الآخرين ميدان تجريب .. فإن الإبداع الأدبي لدى سامبين كان اختباراً أولياً لتجربته في السرد والتعبير واستبطان لدواخل الشخصيات التي تعاطى معها (النصوص الأدبية لسامبين مشحونة بأفعال الحركة كما الصور البصرية الكثيفة، الشيء الذي يشعر القارئ في أثناء قراءته لتلك الأعمال بحقيقة رؤيتها سينمائياً قبل لحظة الكتابة، أو كأنما سامبين قد قام بكتابتها أصلاً بغرض تحويلها في المستقبل الى العروض السينمائية) كما يرى الناقد د. وجدي كامل صالح.
دخل سامبين ميدان الإبداع السينمائي في وقت كان نتاجه الإبداعي في الرواية والقصة القصيرة قد بوَّأه اسماً لامعاً في الأدب الافريقي والعالمي، ويكفي روايته (آلهة الاخشاب) التي حظيت باهتمام ومباركة من أهم أدباء ومثقفي فرنسا لويس آراغون، وسيمون دي بوفوار، وجان بول سارتر..
ويذهب الكثير من دارسي سامبين الى أن انصرافه من الأدب الى السينما كان لقناعته بمحدودية تأثير الأدب في بلدان مثل أفريقيا ترتفع فيها نسبة الأمّية خاصة للأدب المكتوب بالفرنسية.. فضلاً عن سبب يخص نتاج سامبين الأدبي نفسه المكتظ بالصور والمعالجة البصرية والذي سهّل من أفلمته خاصة برؤية ومعالجة سامبين نفسه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram