ها هو مرة ثانية إذن. هو الذي أُنتخب قبل أربع سنوات بصفته أول رئيس أميركي أسود، والذي عودته هي الدليل الحي على أن الحلم الأميركي ما يزال موجوداً. باراك أوباما يعود مجدداً، ومعه يعود الأمل ألا يرتبط ذكر اسم الولايات المتحدة الأميركية في العالم بالشر، مثلما يعود الأمل بأن من الممكن إيقاف التقسيم الذي يضرب بالمجتمع الأميركي بشكل حاد.
"الأفضل يجب أن يأتي الآن". كما قالت رسالة الرئيس القديم الجديد في المساء. صدقوني، سوية نستطيع أن ننجز ذلك! هللويا.
لكن الواقع يقول قصة أخرى. المجتمع الأميركي مقسم بشكل حاد، الحديث عن الجماعية والتضامن ضرب من العبث. فمن جهة الشباب والسود والنساء واليهود وسكان المدن الكبيرة والأميركان لاتينيون، جمهور باراك أوباما والحزب الديمقراطي، ومن الجانب الآخر، المسنون والبيض والبروتستانت المؤمنون والأغنياء وسكان القرى والأرياف والمدن الصغيرة، جمهور الحزب الجمهوري ورومني. أميركا مقسمة اليوم إلى ثقافتين: الأولى تبحث عن مكان لها في العالم، تريد الخروج من الأزمة، والثانية محافظة تريد المراوحة في نفس المكان، ونسبة الفارق بين الاثنتين واهية، بفارق 3 إلى 4% فاز أوباما. التقسيم الثنائي حاد وواضح، كما أن له أكثرية تمثله في الكونغرس.مراجعة بسيطة للسنوات الأربعة الماضية من حكم أوباما تبين أنه رئيس بلا سلطات.
"الأفضل يجب أن يأتي الآن". كأن أوباما أراد أن يقول، انتظروا، الآن أنا بالفعل أصبحت الرئيس، كأن يوم الثلاثاء الماضي كان اليوم الأول لبداية وصوله للسلطة. مرة أخرى فتح أوباما الفم على سعته. ربما الدموع التي ذرفها مرتين هي الدليل على ذلك: يعرف أنه لا يستطيع أن يغير شيئاً!
وإلا: عليه أن يثبت بأن حزمه وجرأته لم تكن في القضاء على أسامة بن لادن فقط. في الفترة الرئاسية الثانية عليه أن يأخذ وعوده بمحمل الجد، وألا يكون فزاعة طيور! عليه أن يغلق معسكر الاعتقال المخالف لكل عرف أو قانون، غوانتانامو، حتى إذا فشل في النهاية أمام المحكمة الدستورية. أيضاً عليه أن يبدي حزماً في الشرق الأوسط، رئيس مثله حاز مقدماً وبغير حق جائزة نوبل للسلام، عليه أن يثبت أنه أهل لهذه الجائزة، وأنه حريص على تثبيت دعائم للسلام في المنطقة الدامية هذه وأصل البلاء. السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين هو المفتاح لكي نستريح من قتلنا وتجويعنا وسجننا وإسكاتنا وسحقنا وتفجيرنا يومياً باسم: تحرير فلسطين! الرئيس الذي سبقه، جورج دبليو بوش، الابن، أرى العالم، كيف أن أيضاً رئيساً أميركياً من الممكن أن يضع شروطاً حازمة أمام إسرائيل، أوباما عليه أن يقنع ناتانياهو بأن هجوماً على إيران (رغم أن لا يصدق العنتريات المتبادلة بين إسرائيل وإيران) سيشعل حريقا في المنطقة، وأن أول ضحية سيكون له مجدداً: العراق، مثلما هو اليوم ضحية لما يحدث في سوريا والبحرين ومنطقة الخليج. عليه أن يثبت أن أميركا لم تدخل العراق لكي يصبح مركزاً لثقافة القتل والغنيمة والكذب، وليس كما أُريد له مركزاً للإشعاع الديمقراطي في المنطقة!
"الأفضل يجب أن يأتي الآن". نطق أوباما بالجملة تلك، لكي يُذكر الأميركان بما يجمعهم: الإيمان بقدرتهم، بالطريق الأميركي للحياة. بالحلم الأميركي الذي لا يموت.
"الأفضل يجب أن يأتي الآن". بتلك الجملة وعد أوباما بأن يكون هو حارس الحلم، وأن على بلاده فقط مواصلة الحلم. ومن حقنا أن نسأل الرئيس الأميركي القديم الجديد: لكن ماذا عنا، نحن شعب المحنة والانتظار في العراق: بعد أن حشرتمونا بين مطرقة حكومة وسندان معارضة شريكة لها في وأد أحلامنا وتجويعنا وتركنا فريسة للإرهاب واللصوص باسم ديمقراطية لم تعبر حدود المنطقة الخضراء؟
ماذا عن حلمنا العراقي المقتول؟