وسط الضجيج المفتعل حول تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر والذي تنفخ فيه جماعات الإسلام السياسي سواء من السلفيين أو الجماعة الإسلامية أو الإخوان المسلمين، لا يلتفت كثيرون لأحداث وقرارات مهمة تتعلق بحياة الناس اليومية.
وفي الأيام الأخيرة أصدر مجلس الوزراء قرارين مهمين لابد من التوقف أمامهما ومناقشتهما، خصوصا أن تفعيلهما كما قال وزير المالية «ممتاز السعيد» سينتظر إقرار مجلس الشعب القادم لهما «تحديد موعد انتخاب مجلس الشعب كما ينتظر إقرار الدستور الجديد».
القرار الأول هو فرض ضريبة تصاعدية على الدخول تتراوح بين 10% للأشخاص الذين يزيد دخلهم على خمسة آلاف جنيه وحتى 20 ألف جنيه وصولا إلى 25% - حد أقصى - لمن يزيد دخله على 10 ملايين جنيه.
ولابد من الترحيب بهذا القرار الذي يعكس تغييرا مهما في موقف الحكم، فقد رفضت الحكومات المتعاقبة قبل الثورة (ثورة 25 يناير) وبعدها مطالبة حزب التجمع منذ تأسيسه عام 1976 بفرض ضرائب تصاعدية على الدخل تحقيقا لقدر من العدالة الاجتماعية، واعتبر بعض المسؤولين المطالبة بفرض ضريبة تصاعدية على الدخل مطلبا «اشتراكيا»، رغم أن الضريبة التصاعدية مطبقة أساسا في الدول الرأسمالية، وتصل إلى 35% في الولايات المتحدة و40% في المملكة المتحدة و45% في ألمانيا و52% في هولندا، وليس 25% فقط كما تقترح الحكومة في مصر.
وتشير الزميلة «نهلة أبوالعز» في الأهرام الاقتصادي إلى أهمية تطبيق الضريبة التصاعدية في مصر تحقيقا لقدر من العدالة «بين من يربح مئات الملايين ومن يربح الآلاف، وكذلك العاملين بالجهاز الإداري الذين يسددون الضريبة من المنبع، كاشفة عن حقائق دالة مثل تسديد العمال والموظفين ضرائب دمغة على الرواتب في حدود 5.2 مليار جنيه سنويا بينما يسدد أصحاب المهن التجارية كالأطباء والمهندسين والمحامين 429 مليون جنيه فقط (أقل من ربع مليار جنيه)، وتسديد العمال والموظفين 3.14 مليار جنيه كضريبة دخل ويسدد أصحاب الدخول الأخرى 8 مليارات جنيه فقط!، وتشير أيضا إلى ارتفاع الضرائب على السلع والخدمات التي يتحملها المواطن محدود الدخل لتبلغ حصيلتها 4.39 مليار جنيه عام 2006 - 2007 ترتفع إلى 67 مليار جنيه عام 2009 - 2010 وإلى 2.85 مليار جنيه عام 2011 - 2012.
وتؤكد هذه الحقائق أن قرار الحكومة هو مجرد خطوة لابد أن تتلوها خطوات أخرى تستهدف نظاما ضريبيا جديدا يحقق العدالة الاجتماعية وينحاز للفقراء ومحدودي الدخل وليس للأثرياء والرأسمالية الطفيلية، وهي الرأسمالية الغالبة في مصر.
القرار الثاني هو فرض ضريبة 10% على الأرباح المتحققة من طرح الأوراق المالية لأول مرة في السوق الثانوي، والقرار في جوهره تراجع عن القرار الذي سبق لحكومة عصام شرف أن اتخذته عام 2011 بفرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية، فبعد 72 ساعة من صدور القرار ونتيجة لضغط من المستثمرين في البورصة، أعلنت وزارة المالية أن عمليات تداول الأوراق المالية من أسهم وسندات في البورصة لا تخضع لهذه الضريبة، وقال د. سمير رضوان وزير المالية «إن الضريبة على توزيع الأرباح تختلف عن ضريبة الأرباح الرأسمالية والتي تفرض على ناتج التعامل في الأسهم والسندات والأوراق المالية عند بيعها بالبورصة وتحقيق الأرباح عليها»، وبالتالي فالضريبة التي تعتزم حكومة «هشام قنديل» فرضها «ستفرض على أول تعامل داخل البورصة فقط وستطبق بعد إقرار من مجلس الشعب المقبل».
والقرار - كما قال الخبراء - يهدف إلى تجنب عمليات التهرب الضريبي التي كان يقوم بها أصحاب الشركات عند قيامهم ببيع شركاتهم أو حصص منها عن طريق البورصة مما كان يؤدي إلى إهدار مليارات الجنيهات على الخزانة العامة للدولة، وفرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية مطبق في البورصات العالمية في أوروبا وأمريكا، باعتبار أن الأموال المستثمرة بها «أموال ساخنة لابد أن يتحمل أصحابها جزءا من الضريبة المفروضة على جميع الأنشطة المالية والاقتصادية».
والسؤال المطروح.. هل ستقبل الرأسمالية المصرية هذا النذر اليسير من الضرائب تحقيقا لخطوة محدودة في اتجاه العدالة الاجتماعية، أم ستقاوم - كالعادة - تحمل أية أعباء وتواصل نهب واستنزاف ثروات الشعب المصري دون استثمار حقيقي؟!