علي حسين
في كل حديث عن القدس نتذكر فيروز، المطربة التي غنت للعشق وللهوى وللأوطان ، والتي لم تكن مغنية فقط، بل فنانة تدرك أن الفن جزء من نضال لا يموت، يستمر ليهز وجدان الناس ومشاعرهم.
في كتاب للمفكر اللبناني فواز طرابلسي بعنوان "فيروز والرحابنة" يكتب أن الأخوين رحباني وهما يقدمان أغنية "زهرة المدائن" كلمات ولحناً، كانا أكبر من كل السياسيين والثورجية الذين وصفهم مظفر النواب أصدق وصف حين قال: "من باع فلسطين سوى الثوّار الكتبة؟".
كلما طافت القدس في الوجدان، نعود إلى صوت فيروز وهو يردد بصلابة: "البيت لنا والقدس لنا.. وبأيدينا سنعيد بهاء القدس.. بأيدينا للقدس سلام آتٍ".
لم تترك فيروز وجهاً من وجوه فلسطين لم تتغزل به، فمن يافا، إلى زهرة المدائن ، الى القدس العتيقة ، مرورا ببيسان ، وياربوع بلادي وليس انتهاء بـ "سيفٌ فليشهر" ، اغنيات أخلصت فيها فيروز لفلسطين كما لم يفعل احد من الفنانيين . يكتب محمود درويش: "قدم الرحابنة فنياً لفلسطين ما لم يقدمه الفلسطينيون أنفسهم. أشهر الفلسطيني هويته الجماليّة بالأغنية الرحبانيّة العربيّة حتى صارت هي إطار قلوبنا المرجعي، هي الوطن المُستعاد وحافز السير على طريق القوافل الطويل".
لم تغن فيروز للقدس من منطق رمزيتها ولا مكانتها التاريخية، ولكنها فضلت أن تتكلم عن القدس بالطريقة التي رأتها بها، وهي تتمشى في شوارع المدينة العتيقة فغنت عن الشوارع والأبواب والشبابيك والبيوت، وانطلقت من كل هذه الأمور البسيطة في تكوينها إلى دعوة كبرى لإيقاظ الضمير لنصرة فلسطين.
في أُغنية "زهرة المدائن" كانت فيروز قد سجلت حضورها في تاريخ المدينة عندما قالت بثقة: "مريت بالشوارع... شوارع القدس العتيقة، قدام الدكاكين... البقيت من فلسطين، حكينا سوى الخبرية وعطيوني مزهرية، قالوا لي هيدي هدية من الناس الناطرين " .
اختصرت فيروز في اغنياتها حقيقة بلداننا، والمآسي التي نعيش في ظل انظمة سياسية لا تزال تتقاتل من اجل الكرسي والطائفة .
تعود القدس هذه الايام الى واجهة الاحداث ، وهي التي لم تغب يوما عن ضمائر الاحرار ، ، نتذكرسعيد عقل وهو يصرخ من خلال صوت فيروز : " أنا لا أنساكِ فلسطينُ ويشدّ يشدّ بِيَ البعدُ ..أنا في أفيائك نسرينُ أنا زهر الشوك أنا الوردُ
نتذكر فيروز ونحن ننظر الى ما يدور في فلسطين ، تلك البلاد التي تعيش أكبر مأساة، عندما تآمر الاستعمار لاستبدال اسرائيل بزهرة المدائن غير أنه ترك لنا أيضاً انقلابات عسكرية كانت ذريعتها الوحيدة لاضطهاد الشعوب هي قضية فلسطين ، وترك لنا قادة يتركون الاطفال وكبار السن تحت رحمة نيران الطائرات والمدافع ، ويذهبون في رحلة استجمام خارج غزة .