ذي قار / حسين العامل
يقول صياد الأسماك عباس السعيدي وهو يشير الى وجوه أطفاله المتورّمة من لدغ البعوض الذي أخذ يتكاثر وينتشر بصورة كبيرة في قرى ومناطق الأهوار، حيث إن قرى الأهوار باتت تفقد حتى ما كانت تحصل عليه من خدمات شحيحة في العهد السابق،
مشيراً الى تراجع مستوى الخدمات الصحية والبيطرية ونقص المدارس ناهيك عن غياب فرق مكافحة البعوض والحشرات الضارة التي باتت تهدّد حياة السكان المحليين ومواشيهم كونها ناقلة للأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان.
ويوضح السعيدي أن " آلاف القرى في مناطق الأهوار التي تتوزع على 10 وحدات إدارية تابعة لمحافظة ذي قار مازالت تفتقر لأبسط الخدمات الأساسية والمتطلبات الحياتية ولاسيما في مجالات الصحة والتعليم والخدمات البيطرية"، مبيناً أن " مستوى الخدمات في المجالات المذكورة أخذ يتراجع بصورة كبيرة فلا عيادات ولا مراكز صحية نظامية وأعداد المدارس التي معظمها طينية أو كرفانية أخذت تتقلص والامّية تتفشى ، فيما الفرق البيطرية نادراً ما تزور تلك القرى التي تضم أكبر قطيع جاموس في العراق ".
وأشار السعيدي الى أن " قضاء الجبايش لوحده يضم أكثر من 35 ألف رأس جاموس ولا يتوفر فيه سوى مركز بيطري يتيم ، وإن جميع مناطق الأهوار تفتقر الى مصنع للأعلاف أو للألبان"، وأضاف أن " ما يفاقم المشكلة والمخاطر التي تتهدّد حياة السكان المحليين والثروة الحيوانية هو انتشار البعوض والحشرات الضارة في مناطق الأهوار".
وكان مكتب الاتحاد الدولي لمربي الجاموس في العراق ومختصون في بيئة الأهوار كشفوا في (الأول من شباط 2021) ، عن تراجع كبير في أعداد الجاموس خلال الأعوام الخمسين المنصرمة، وفيما أشاروا الى تراجع تلك الأعداد من مليون رأس في سبعينيات القرن المنصرم الى 300 ألف رأس في الوقت الحاضر، دعوا الى تبني برامج علمية لتنمية الثروة الحيوانية في العراق وإنشاء مدارس حقليّة وجمعيات تعاونية لمربي الجاموس.
ومن جانبهم أيد مربو الجاموس ما ذهب إليه السعيدي حول مخاطر انتشار البعوض والحشرات الضارة ، وأوضح علي سعدون وهو صاحب قطيع جاموس يتكون من 10 رؤوس من الماشية قائلاً إن " قرى الأهوار في مناطق السدة الأمنية والكرماشية والشويعرية والخويسة وأم الودع في قضاء كرمة بني سعيد وغيرها من المناطق والقرى في أهوار الناصرية باتت تتحسر على النوم أثناء الليل بسبب لدغ البعوض والحشرات التي أخذت تشكل أسراباً كبيرة شديدة الضرر على الإنسان والحيوان". وأشار سعدون الى أن " مخاطر انتشار البعوض تتمثل بكونه ناقلاً للأمراض الخطيرة ولاسيما الامراض المشتركة التي تصيب الإنسان والحيوان "، منوهاً الى أن " مناطق الأهوار لم تُشمل بمكافحة الحشرات الضارة منذ عام 2003 وحتى الآن ".
ودعا المصدر الى "شمول قرى ومناطق الأهوار ببرامج مكافحة جوية عبر الطائرات الزراعية مثلما كان يحصل في السابق"، منوهاً الى أن "عدم مكافحة البعوض والحشرات طيلة الأعوام الماضية أدى الى تكاثره بصورة مخيفة حتى باتت أعدادها تقدر بالمليارات من الحشرات الضارة".
وأوضح سعدون أن " مناطق أهوار الجبايش وسوق الشيوخ والحمار وصولاً الى مناطق أهوار "المدَينَه" تضم الآلاف من رؤوس الجاموس وإن البعوض والحشرات باتت تهدد حياتها وحياة السكان المحليين".
وتشكل الأهوار خُمس مساحة محافظة ذي قار وهي تتوزع على عشر وحدات إدارية من أصل 20 تضمها المحافظة، إذ تقدر مساحة أهوار الناصرية قبل تجفيفها مطلع تسعينيات القرن الماضي، بمليون و48 ألف دونم، في حين تبلغ المساحة التي أعيد غمرها بالمياه بعد عام 2003 نحو 50 بالمئة من مجمل المساحة الكلية لأهوار الناصرية إلا أن هذه المساحة المغمورة سرعان ما تتقلص بصورة كبيرة بعد كل أزمة مياه تمر بها البلاد.
وعن مستوى الخدمات الأخرى في قرى ومناطق الأهوار قال المواطن مصطفى عبد الله أن " قرى ومناطق الأهوار هي مصدر الأسماك والحليب واللحوم إلا أنها مازالت تفتقر لأبسط الخدمات الأساسية فلا طرق معبدة ولا مدارس نظامية ولا مؤسسات صحية ولا رعاية بيطرية للثروة الحيوانية ولا دعم لأصحاب المهن المذكورة "، مبيناً أن " معظم قرى الأهوار تشتري مياه الشرب من أصحاب التناكر وإن الكهرباء فيها غير مستقرة والكثير من شبابها عاطلون عن العمل".
وأردف عبد الله أن " صيادي الأسماك وأصحاب المواشي باتوا يعانون الأمرين نتيجة الإهمال الذي تواجهه مناطقهم ومهنهم ، فمربو الجاموس غير مشمولين بالأعلاف المدعومة ويقومون بشرائها من التجار ، والأمر ينطبق على العلاجات البيطرية "، وأضاف " فيما يواجه صيادو الأسماك مشكلة تراجع المخزون السمكي وقلة الصيد بسبب تأخر ضخ إصبعيات تكاثر الأسماك وتوجه آلاف الشباب العاطلين عن العمل والخريجين لمزاولة صيد الأسماك بسبب انعدام فرص العمل في مناطق الأهوار".
وكشف صيادو الأسماك في مناطق أهوار الناصرية يوم الاثنين ( 26 نيسان 2021 ) عن تصدير 100 طن من أسماك البني والكارب والجري يومياً الى اسواق المحافظات العراقية، وفيما حذروا من استنزاف المخزون السمكي في مناطق الأهوار نتيجة حرمانها من برامج تكاثر الأسماك بالإصبعيات طيلة العامين الحالي والمنصرم ، طالبوا بإقالة وزير الزراعة لإهماله الثروتين السمكية والحيوانية في المناطق المذكورة.
ودعا عبد الله الى " شمول الصيادين بالسلف المالية "، منوهاً الى أن " عملية التسليف كانت قائمة قبل عدة سنوات وبواقع خمسة ملايين دينار ومن دون فوائد وتسدّد خلال ست سنوات إلا أن الصيادين الذين سدّدوا ما بذمتهم من السلفة ولا يحق لهم سحب سلفة أخرى "، مشيراً الى أن " الصيادين بأمس الحاجة الى الدعم ولاسيما بالسلف وذلك لتجديد محركات الزوارق وصيانتها واستبدال المستهلك منها ناهيك عن شباك ومستلزمات الصيد".
وفي ذات السياق حذر سكان محليون من مخاطر شح المياه التي أخذت بوادرها تظهر في الآونة الاخيرة وتنعكس سلباً على مناطق الأهوار إذ يخشى السكان من تقليص الاطلاقات المائية للأهوار نتيجة الأزمة المائية التي تمر بها البلاد ، مستذكرين ما عانى منه سكان الأهوار من تهجير وحرمان إبان تجفيف الأهوار في تسعينيات القرن الماضي.