علي حسين
منذ البداية كان الخبر الذي يصدر من الجهات المختصة مادة للتندر والضحك، ودليلاً على أن المواطن يعيش في دولتين واحدة في الخضراء تقودها الحكومة وأخرى تتوزع حصصها على الأحزاب السياسية. وفي النهاية تبين أن الحكومات الثانية تتكاثر باستمرار وتتحول إلى دويلات لها قانونها الخاص.
وأذكر أنني كتبت في هذا المكان عن العشائر والجهات السياسية التي تهدد الحكومة في كل صباح ، وكيف انها تثور وتعترض على أي إجراء أمني تحاول فيه الحكومة البحث عن قتلة شباب الاحتجاجات، وقبل أن تسأل عزيزي القارئ ما هي الإجراءات التي تتخذها العشائر ومعها بعض القوى السياسية ضد الحكومة؟، أحيلك إلى حادثة خطف الشاب سجاد العراقي الذي لا يزال مختطفاً ومغيباً في واحدة من مناطق الناصرية، وحين قررت الحكومة البحث عنه أصدرت إحدى العشائر بياناً طالبت فيه بسحب قوات الأمن وأن تعود إلى مكانها، والسبب أنها لم تستأذن رئيس العشيرة وهي تقوم بالبحث عن شاب مخطوف، تتستر العشيرة على الخاطف، فلا يجوز في عرف العشيرة صاحبة البيان "الثوري" أن تدخل القوات الأمنية دون إذن مسبق من شيخ العشيرة، ولهذا لا بد للحكومة من الرجوع عن قرارها " الجائر " بتحرير الشاب المخطوف وإعادة الهيبة إلى العشيرة، أما ماهي هذه الهيبة فهي في نظرهم أن يستمر مسلسل الخطف، وأن تأخذ القوات الأمنية موقف المتفرج، وأن يتولى رئيس العشيرة إدارة الملف، المهم أن تبقى أمور العباد والبلاد بيد العشيرة.. قبل أيام أعيد استنساخ حكاية سجاد العراقي ولكن هذه المرة في البصرة، حيث قامت إحدى العوائل بمهاجمة القوات الأمنية بعد محاولة اعتقال أحد المتهمين .. وهددت وتوعدت بل اطلقت الرصاص على مقر الاجهزة الامنية تحت شعار " بيتنه ونلعب بيه " .
لا بد من أن مواطناً مثل جنابي لا يجد غرابة في بيان هذه العشيرة، وهي تجد نفسها فوق الدولة والقانون، لا أدري ماذا سيقول العالم المتحضر وهو يسمع ويشاهد دولة لا يقبل رئيس عشيرة فيها أن تدخل قوات أمنية المنطقة التي يسكنها، ولا أدري هل من أساسيات بناء الدولة، التي يتشدق بها النواب الطائفيون والقبليون، أن نقف في وجه مؤسسة أمنية تريد القصاص من مجرمين؟.
إنها دولة عشائر واحزاب ومواعظ وإرشادات، يعتقدون انها س تكون علاجاً لمشاكل العراقيين.. حكاية "وحوش الشاشة" ون يقف ورائهم تثبت لنا بالدليل القاطع كيف سرق منا حتى الحلم بمجتمع مستقر مزدهر. وتعالوا نتساءل لماذا أصبحت غالبية الناس لا تصدق بيانات الاجهزة الامنية ؟
إن النتيجة المباشرة للاستسلام لمنطق العشيرة والجماعات السياسية وفلسفة اعتبار الامن شركة مساهمة بين العشيرة والدولة ، لا بد ان تجرنا الى الخراب .