فضيلة دفوسنظّم البريطانيون الإنتخابات التشريعية قبل أيّام، واختاروا من أرادوا، وظهرت النتيجة في يومها ولم تبد جهة احتجاجها رغم أن الفوز لم يحسم لصالح الحزبين الرئيسيين كما جرت العادة منذ عشرات السنين.ووجد الشعب البريطاني نفسه أمام برلمان معلّق لا يحظى فيه حزب بالأغلبية وهذا لثاني مرّة في تاريخ بريطانيا،
ولم يطالب هذا الشعب بإعادة الإقتراع بذريعة تفادي الإنسداد الذي قد تعرفه عملية تشكيل الحكومة الإئتلافية، أو بزعم تفادي حلّها كما حصل عام 1974. وهي المرة الأولى التي قادت الانتخابات إلى برلمان معلّق، كما أننا لم نقف على تشكيك الأحزاب بالنتيجة بل الجميع تقبّلها وشرع المحافظون الذين حصلوا على أكبر عدد من الأصوات في اتصالات سريعة مع الديمقراطيين الأحرار، وتجاوزوا اختلافاتهم وتبايناتهم السياسية، وأعلنوا عن حكومة إئتلافية بدأت عملها مباشرة، في حين سارع زعيم حزب العمّال المنهزم «غولدن براون» إلى الاستقالة طبعا فهو أخفق في قيادة حزبه للفوز، والكبار دائما يقرّون الخسارة ويتحملون نتيجتها لينسحبوا حتى يفسحوا المجال لمن هو أفضل وأكثر كفاءة.ونسي البريطانيون بسرعة البرق أمر الانتخابات وواصلوا حياتهم اليومية، وبدا الإنسجام داخل الحكومة يكسر توقعات الذين حكموا مسبقا بفشلها وتفككها.هذا هو باختصار المشهد البريطاني، وهو كما نرى وردي يبعث على الراحة والتفاؤل والأمن، ومن ثمّ العمل والتقدم والإزدهار.وفي المقابل، هناك المشهد العراقي المثير لليأس والقلق والخوف والإحباط، فالعراقيون مثل البريطانيين تماما، نظّموا انتخابات كان من المفروض أن تكون عادية قصد تشكيل الحكومة الجديدة، لكن الفارق بين الشعبين على ما يبدو هو قرون من الديمقراطية والحرية، الأمر الذي جعل الإنتخابات العراقية بدل أن تمضي بالعراق إلى الأمام، العكس تماما، فهي تحجزه في زنزانة التشبت. فهذه «الشيم» لا تميّز أهل الرافدين وحدهم بل هي عامة منتشرة في كل البلدان العربية ما جعل الإنسداد السياسي في العراق يفتح شهية من يقتاتون على دم الأبرياء المغلوب على أمرهم ليصعّدوا عمليات القتل والإرهاب، وقد وقفنا الأسبوع الماضي على عشرين تفجيرا في يوم واحد بل في توقيت واحد حصدت المئات بين قتيل وجريح.في العراق الذي شهد انتخابات تشريعية منذ ما يقارب ثلاثة أشهر، ومضي أسابيع حتى ظهرت النتائج ثم أسابيع أخرى وهو يعيد فرز الأصوات، يصرّ الكل على أحقيّته بالفوز وبالتالي تشكيل الحكومة، رغم أن أحدا من الكتل السياسية لم يحقق الفوز الحاسم، وبدأت التحالفات تعلن هنا وهناك لتقطع بعضها على البعض الطريق نحو مبنى الحكومة، والتحالفات هذه التي تبنى في العالم الديمقراطي على أسس سياسية أو اقتصادية محضة، هي في العراق تبنى على أسس (أخرى).وفي خضم هذا التشابك والصراع المثير للقلق على الكرسي (...) يقول الأمريكيون بأنهم لا يتدخلون في تشكيل وتسمية رئيس الحكومة العراقية الجديد.ورغم أن الجميع يجزم بأن سفير واشنطن في بغداد هو الذي يحكم العراق، فإنني أعتقد بصدق الإحتلال هذه المرة، الذي يبدو مستمتعا بمشاهدة الطبقة السياسية (...) وهي تتصارع من أجل الحكومة والمناصب وطبعا ما تدرّه هذه المناصب. أما الشعب العراقي، فله ربّ يحميه من (...) عنف أصبح رغيفه اليومي.وفي انتظار معجزة تحلّ معضلة تشكيل الحكومة العراقية، يبقى الشعب العراقي في وادي وزعاماته في وادي آخر.
حكـومــة 2010 فـي انتظــار المعجــزة
نشر في: 23 مايو, 2010: 07:10 م