مازن صباح احمد* شهدت العقود الأخيرة إصلاحات اقتصاديةً واسعة النطاق في معظم البلدان النامية بما في ذلك العديد من الدول العربية وذلك بهدف زيادة معدلات النمو الاقتصادي وأحداث توازن في الموازنة العامة للدولة وفي ميزان المدفوعات من خلال ترشيد الإنفاق العام وزيادة الموارد الضريبية وتنشيط الصادرات وزيادة الاستثمارات والادخار وإعطاء دور حيوي مهم للقطاع الخاص في المساهمة بعملية التنمية وإصلاح القطاع العام
وكذلك كبح جماح الاستهلاك من خلال إلغاء الدعم وفرض الضرائب على الاستهلاك ومعالجة المشكلات الاجتماعية كالفقر والبطالة وتدني مستويات الدخل إضافة الى سوء توزيعه، وقد نجحت بعض الدول في تنفيذ برامجها الإصلاحية. وما زال البعض الآخر يتعثر في ذلك لوجود صعوبة بالغة في التوفيق بين الأهداف المتناقضة كترشيد الاستهلاك وضغط الإنفاق العام لمكافحة التضخم وزيادة معدلات النمو الاقتصادي ومعالجة مشكلتي البطالة والفقر بالوقت نفسه. ويعد الإصلاح المالي نقطة الانطلاق في عملية الإصلاح الاقتصادي سواء على صعيد الإنفاق العام بشقيه الجاري والاستثماري او على صعيد الموارد وفي مقدمتها الموارد الضريبية بشقيها المباشر وغير المباشر إضافة الى ذلك فان اقتصاديات الدول في ظل العولمة ووجود التكتلات الاقتصادية الدولية والإقليمية ومنظمة التجارة العالمية وضرورة التعامل مع المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أصبحت اكثر اندماجاً مع دول العالم وبالتالي فان أنظمتها الضريبية لا يمكن ان ينظر اليها بصورة منعزلة حيث تتسابق معظم الدول الى تطوير أنظمتها الضريبية بحيث تكون الضريبة اداة مشجعة للاستثمارات المحلية والأجنبية، وتنشيط الصادرات من خلال مساعدة المنتجات المحلية في الصمود امام السلع الأجنبية عن طريق إعفاء الصادرات من جميع الضرائب والرسوم.وقد كانت الأنظمة الضريبية في بداية الثمانينيات في معظم البلدان النامية معقدة ومرهقة ومثقلة بمئات الضرائب من دون ان يحقق اي منها عائداً كبيراً، كما كانت لضرائب الإنتاج والاستهلاك أسعار متعددة إضافة الى صعوبة إدارتها، وكانت ضرائب الدخل مرتفعة تعيق عملية الاستثمار، لذلك قامت معظم البلدان النامية وخلال تنفيذها لبرنامج الإصلاح الاقتصادي بإعادة النظر بأنظمتها الضريبية بهدف تبسيطها وتطويرها بما يتماشى مع الفكر الحديث في مجال الضرائب الذي يستهدف تخفيض الضرائب عن مصادر توليد الدخل (الضرائب على الدخل: دخل الأرباح- دخل الرواتب والأجور) بهدف تشجيع الإنتاج والاستثمار والتصدير والتركيز على الضرائب وعلى أوجه استخدامات الدخل (الضرائب على الإنفاق "الضريبة على القيمة المضافة- الضريبة على المبيعات") شريطة ان لا يؤثر ذلك على العدالة الضريبية وذلك من خلال زيادة الإعفاءات الشخصية والاجتماعية لذوي الدخل المحدود.ويعتبر النظام الضريبي احد اهم المعايير لتقييم اي اقتصاد، حيث تعد الضرائب المورد الرئيسي لتمويل الميزانية العامة إضافة الى الدور المهم الذي تلعبه في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومن خلال قراءة بسيطة لتاريخ الضرائب نجد انه من السهل استنتاج ان الضريبة عنصر ديناميكي يتأثر و يؤثر في الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية للدولة،كما انه من المعروف في أدبيات الاقتصاد ان للضرائب أهدافاً عدة تتوخاها الدولة في الفرض او الإعفاء ومما يجمع عليه الاقتصاديون ان غرض الضريبة هو تحقيق المنفعة العامة (برغم الاختلاف بشأن تحديد مفهوم المنفعة العامة) والتفسير الاقتصادي الحديث للضرائب يحدد أغراضها في جانبين رئيسين، الأول هو الهدف المالي و يقصد به مد الخزينة العامة و لكي تحقق الضريبة اكبر قدراً ممكناً من الإيراد للدولة,اما الهدف غير المالي للضرائب فيتمثل في استخدام الضريبة من اجل تحقيق أغراض اجتماعية و اقتصادية من حيث تخفيف حدة التفاوت في توزيع الدخول و الثروات بين فئات المجتمع إضافة الى أهداف اجتماعية أخرى كالتشجيع او الحد من استهلاك بعض السلع التي ترى الدولة ضرورة التحكم في مدى استهلاكها،زيادة ونقصانا، اما في ما يخص الأهداف الاقتصادية للضرائب فنلخصها بالاتي:1- تستخدم الدولة الضرائب كأداة لتقليل الاثار التضخمية عن طريق زيادة العبء الإجمالي للضرائب لكي تقتطع بها جزءاً من دخول الأفراد فينخفض دخلهم مما يؤثر في استهلاكهم و بالتالي ينقص من الطلب الكلي ويقلل من ظهور التضخم.2- توجيه عناصر الإنتاج نحو العناصر الإنتاجية التي ترغب الدولة في تطويرها، ويكون ذلك بإعفاء هذه الفروع من الضرائب او بفرض ضريبة اقل في الفروع الأخرى.3- حماية الصناعة الوطنية و معالجة العجز في ميزان المدفوعات و يتم ذلك بفرض ضرائب كمركية مرتفعة على الاستيراد من الخارج بإعفاء الصادرات من الضرائب كليا، وتعد الضرائب الكمركية من أولى الضرائب التي استخدمت لهذه الغاية.4- تحقيق التنمية الاقتصادية في البلد اذ انها تستخدم في تعبئة الموارد الاقتصادية و توجيهها الى السبل التي تخدم من اجل تحقيق الادخار و من اجل الحد من الاستهلاك و بتحصيل الحكومة ادخارا إجبارياً جماعيا تستخدمه في تمويل مشروعات التنمية.ويستطيع المشرع الضريبي من خلال التحكم بالضريبة على الدخل واستخدامها بصورة مدروسة جيداً ان يؤثر في عملية الاستثمار بما ينسجم مع خطة التنمية الاقتصادية في البلد، ويلاحظ حالياً وجود ت
النظام الضريبي والاستثمار الأجنبي
نشر في: 24 مايو, 2010: 04:45 م