TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: ماذا عن الآخر المختلف ؟

قناطر: ماذا عن الآخر المختلف ؟

نشر في: 22 مايو, 2021: 10:08 م

 طالب عبد العزيز

يتغذى الفردُ في المجتمعات المنقسمة على ما تقدمه له الانقاساماتُ تلك، من مؤونة وزاد على حساب الزاد الوطني الجامع، زاد الجغرافيا أو التاريخ المشترك، ففي تمزق الهوية الجامعة يكون الفرد قد ذهب بكليته الى هويتة الضيّقة(الدين، الطائفة، العرق) في اعتقاد منه بأنها تؤمّن الحماية المطلقة له،

وقد يكون المنطق هذا واقعاً، لكنه غير مأمون الجانب في النهاية، فمثل الهويات هذه من تعمل على تأسيس البغضاء والعداوات، ولعل صورة العراقي بعد 2003 غير صورته السابقة، على الرغم مما بذرته الحكومات السابقة، ونظام صدام حسين بشكل خاص من بذور الانقسامات (إقصاء الشيعة من المناصب العليا في العهد العثماني والملكي، والتركيز على كبار الضباط السنّة في الحرب مع إيران) كأمثلة على ذلك.

الى اليوم كنتُ وما زلتُ أمنّي نفسي بأنْ أسمع من خطيب حسيني حديثاً متوازنا، ومنصفاً عن أحد علماء المعتزلة، أو الخوارج، أو المتصوفة، أو أحد الصحابة وسواهم، ممن نقرأ عن سيرهم الحسنة، وبالغة الحسن في بعض الأحيان الكثير والكثير، وفي مقابل ذلك يندر ما نسمع من خطباء أهل السنّة في صلاة الجمعات ما يشير الى فضائل علماء وأئمة الشيعة، والمتصوفة والمعتزلة وغيرهم. لا يمكن تصور رجالات جماعة معينة بأنها الأفضل في كل شيء، مثلما لا يمكن تصور رجالات الجماعة الاخرى بانهم الأسوأ، ففي ذلك مجانبة للحق، ومخالفة للعقل، الفروسية تقتضي الإنصاف، وقول الصواب، وذكر المحاسن وتجاوز الأخطاء.

لا أحد ممن قرأ بحيادية التاريخ العربي الاسلامي يغفل الاعتقاد والعقيدة الراسخة عند الخوارج، والصورة المثالية لعبادتهم، فهم باعتراف كبار علماء المذهبَين(السنة والشيعة) موحّدون، يقرون بالنبّوة كاملة، وهم حفظة وقرّاء استثنائيون للقرآن، وعبّاد منقطعون ومخلصون، وأصحاب حجج راسخة، لكنَّ تقاطع سيوفهم مع سيوف المسلمين، وحادثة مقتل الامام علي، وحروبه معهم جعلتهم خارج دائرة التناول المعرفي والحوار الهادئ معهم، إلا بالسوء وهو أمر فيه ما فيه من الخسارة، وأضاع على الجميع تذكر الكثير من رجالهم، من الذين لم يحاربوا، ولم يسلوا سيفاً إنما احتفظوا بآرائهم، معتمدين القرآن والسنة، وربما كانوا سيضيفون لثقافتنا شيئاً، لو أنهم منحوا الفرصة في الحوار.

بسبب السيوف والتعصب المطلق وكراهية الآخر أهملنا الإشارة الى الكثير من الالتماعات في تاريخنا العربي والاسلامي. أتوقف عن كلمة مالك بن دينار عندما وصفه أحدهم بالزاهد فقال: لا، لستُ أنا. الزاهد عمر بن عبد العزيز، فقد وهب الدنيا وتركها. في مجموع الخطب التي نسمعها من مكبرات الصوت المنصوبة على المنائر قلما سمعنا شيئاً عن فضائل ومآثر علماء التصوف، والاعتزال والفرق الاخرى، أو عن علماء اللغة والنحو والشعر والكيمياء والعلوم الاخرى، فقد ظلوا أسارى قناعاتهم الخاصة بمذهبهم، وطريقة عبادتهم، واصحابهم وشيوخهم، وكأن الآخرين لم يولدوا ولم يكونوا، ولم يقدّموا شيئاً ذا أهمية تذكر، وبذلك ضيقوا علينا في فسحة التسامح والحوار وذهبوا بنا الى دائرة الانغلاق وبغضاء الآخر المختلف.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: في محبة فيروز

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram