حي في مابوتو، عاصمة الموزمبيق التي كانت تُعرف سابقاً تحت إسم لورنسو ماركيز، إنه حي مختلف عن غيره من الأحياء لأنه خرَّج أسماءً كبيرة في عالم كرة القدم مثل ماتاتو وفيسنتي وهيلاريو، وهناك وُلِد أيضاً ماريو استيفيز كولونا، أحد أفضل اللاعبين الذين عرفهم تاريخ الكرة البرتغالية.
لم ينتظر اليافع ماريو الذي وُلِد من أب برتغالي وأم موزمبيقية، كثيراً لكي يظهر قدراته البدنية الهائلة وموهبته في التعامل مع الكرة المستديرة، من الناحية البدنية، فإن تسلقه اليومي للأشجار من أجل قطف المانغو والكاغو برغم التأنيب الذي طاله من والده الذي كان حارس مرمى ديسبورتيفو دي لورنسو ماركيز، لعب من دون أدنى شك دوراً في تكوين بنيته الجيدة.
بدأ كولونا مشواره الرياضي الجدي في ديسبورتيفو بالذات، فبعد أن اختبر نفسه في لعبة كرة السلة، تحوّل إلى ممارسة ألعاب القوى حيث أبدع لدرجة وصوله لتحطيم الرقم القياسي الوطني في مسابقة الوثب العالي، ولم يكن أيضاً سيئاً على الإطلاق في تعامله مع كرة القدم فلفت إنتباه الأندية البرتغالية الكبرى منذ سن المراهقة.
خلال زيارة لديسبورتيفو دي لورنسو ماركيز إلى جنوب أفريقيا، لم يتمكن كولونا من اللعب مع فريقه بسبب نظام الفصل العنصري هناك، لكنه استرد اعتباره عندما حل الجنوب أفريقيون ضيوفاً في الموزامبيق حيث كان صاحب الأهداف السبعة التي منحت فريقه الإنتصار، ماذا يمكن أن يطلب أكثر من ذلك من اليافع البالغ من العمر 17 عاماً؟ وبعد فترة وجيزة على الأداء الخارق الذي قدمه أمام الجنوب أفريقيين، حصل كولونا على عرض للإنضمام لبورتو، ثم على آخر من سبورتينغ لشبونة الذي قدم عرضاً أكبر مرتين من عرض بورتو، لكن العلاقة الوطيدة التي تربط ديسبورتيفو دي لورنسو ماركيز ببنفيكا، ساهمت في نهاية المطاف بإنتقال الشاب الموهوب إلى الفريق الكبير. في عام 1954، حين كان في التاسعة عشرة من عمره، حل كولونا في لشبونة بعد رحلة شاقة إستغرقت 34 ساعة وسكن في "لار دور غوغادور"، وهو نوع من منزل وضعه بنفيكا في تصرف اللاعبين الذين لا يملكون منزلاً خاصاً بهم، فإكتشف كولونا ماهية حياة الشاب المغترب.
وعلى الرغم من السمعة التي إكتسبها في سن مبكر، إحتاج الشاب إلى بعض الوقت من أجل إقناع مدرب فريق "النسور" في تلك الفترة، أوتو جلوريا، وفي ظل تألق خوزيه أجواس في مركز رأس الحربة، قرر المدرب البرازيلي أن يُعيد كولونا إلى منتصف الملعب بعدما تنبه إلى براعته في صناعة الألعاب، وكان رهانه رابحاً.
سجل كولونا بدايته الكبرى بقميص "إنكارنادو" خلال مواجهة ودية ضد بورتو، وهي مباراة تشكل على الدوام إشارة إنطلاق الموسم الكروي في البرتغال، لم يتمكن كولونا من إيجاد طريقه إلى الشباك ضد الغريم التقليدي، إلا انه لم ينتظر كثيراً ليفتتح سجله التهديفي إذ سجل في المباراة التالية ضد سيتوبال ثنائية ليسهم في فوز فريقه (5-0)، وكانت هذه الثنائية باكورة مسلسل طويل من الأهداف بالنسبة لهذا اللاعب، فخلال المواسم 16 التي أمضاها مع بنفيكا، سجل كولونا 150 هدفاً رسمياً في 677 مباراة.
وإذا كانت الأرقام لا تعني أو تقول الكثير، فإن الألقاب تتحدث ببلاغة عن أهمية كولونا خلال عقد ونصف من الزمن مع بنفيكا، فحتى موسم 1954-1955، كان النادي الكبير الآخر في لشبونة، سبورتينغ مهيمناً على الكرة البرتغالية، لكن الوضع تغير خلال الأعوام الـ16 التي تلت وصول كولونا إلى بنفيكا، ولم يكتفِ "النسور" بالتربع على عرش الكرة المحلية وحسب، بل فرض هيمنته على الساحة القارية أيضاً، وتوّج خلال تلك الفترة بلقب الدوري المحلي 10 مرات، والكأس البرتغالية 6 مرات، إضافة إلى لقب كأس الأندية الأوروبية التي أحرزها مرتين، الأولى خلال موسم 1960-1961 حين وجد كولونا طريقه إلى الشباك في مرمى برشلونة.
في أواخر 1960 وصل إلى لشبونة لاعب شاب آخر قادم من موزامبيق ولورنسو ماركيز مسقط رأسه أيضاً، كان إسمه أوزيبيو دا سيلفا فيريرا ويحمل في حقائبه رسالة موجهة إلى كولونا.
في الواقع ، إن عائلتي كولونا وأوزيبيو تعرفان بعضهما البعض من لورنسو ماركيز، وبالتالي، كان من الطبيعي أن تكتب والدة هذا الفتى الذي سيصبح مستقبلا "الفهـد الأسود"، رسالة إلى كولونا تطلب فيها منه الإهتمام بنجلها ما أن يصل إلى الأراضي البرتغالية.
سارع كولونا إلى فتح حساب مصرفي بإسم أوزيبيو وأن يتولى مهمة إدارة أموال الأخير خلال فترة مراهقته وحتى بلوغه سن الرشد، هذا التعاضد الرائع أصبح حتى أكثر فعالية على أرضية الملعب حيث أسهم الرجلان بلعبهما جنباً إلى جنب بشكل كبير في منح بنفيكا لقباً أوروبياً ثانياً على التوالي.
فخلال موسم 1961-1962، وصل بنفيكا إلى نهائي مسابقة كأس الأندية الأوروبية البطلة حيث تواجه مع ريال مدريد الذي كان متقدماً 3-2 مع إنتهاء الشوط الأول، وذلك بفضل ثلاثية من بوشكاش، لكن الشوط الثاني شهد إعصاراً أحمر حقيقياً قاده كولونا بهزه الشباك الإسبانية، قبل أن يستلم أوزيبيو زمام المبادرة ويُنهي المهمة.
ففي الدقيقة 62 منح الحكم ركلة جزاء لبنفيكا، كان كولونا يستعد لتنفيذها قبل أن يسمع همساً بجانبه، قال أوزيبيو: سيد كولونا، هل بإمكاني تسديدها؟، وافق كولونا، وتمكن الجوهرة السوداء من وضع بنفيكا في المقدمة (4-3) قبل أن يسجل بعدها هدف تأكيد الفوز لبنفيكا 5-3.
وبعد النهائي الذي أُقيم في أمستردام، طلب أوزيبيو الشاب من "السيد" كولونا خدمة ثانية، كان أوزيبيو خجولاً بطبيعته، وبالتالي لم يكن يجرأ على الطلب من مثاله الأعلى ألفريدو دي ستيفانو أن يمنحه قميصه وبالتالي، إضطر كولونا للتوجه نحو الإسباني - الأرجنتيني من أجل أن يتبادل معه القميص الأبيض الأسطوري الذي لا يزال أهم جائزة حصل عليها أوزيبيو خلال مسيرته كلاعب بحسب ما يُردد على الدوام.
كان بنفيكا الذي خسر نهائي كأس الأندية الأوروبية البطلة في ثلاث مناسبات أخرى بوجود قائده كولونا، العمود الفقري للمنتخب البرتغالي الذي تألق في كأس العالم إنكلترا 1996 ، تعرض قائد المنتخب جيرمانو للإصابة منذ المباراة الأولى في البطولة، فإنتقلت الشارة إلى كولونا الذي تألق على الأراضي الإنكليزية وساعد زميله أوزيبيو لأن يصبح أفضل هداف في البطولة التي أنهتها البرتغال في المركز الثالث، وهي أفضل نتيجة لها في البطولة الكروية الأهم على الإطلاق.
وبعد المغامرة الإنكليزية، خاض كولونا ثلاثة مواسم أخرى مع بنفيكا حتى 1969-1970، قبل أن يتركه للإنتقال إلى ليون الفرنسي، عاد كولونا إلى ملعب دا لوز مجدداً لكن لفترة وجيزة جداً وذلك في كانون الأول 1970 من أجل مباراة تكريمية ضد تشكيلة عالمية ضمت في صفوفها يوهان كرويف وبوبي مور، لعب خلال تلك المباراة 15 دقيقة، قبل أن يخرج من الملعب وسط تشجيع الجمهور الذي وقف تكريماً له، وكان من الفترض أن يلعب أيضاً بعض الدقائق مع التشكيلة العالمية لكنه رفض القيام بذلك لأنه لا يريد أن يلعب ضد الفريق الذي يعشقه.
أطلق عليه أنصار بنفيكا لقب "العملاق المقدس"، والبرازيليون لقب "ديدي الأوروبي" وزميله أوزيبيو "سينيور كولونا" بكل بساطة، إنه سيد كبير بكل ما للكلمة من معنى.
مسيرة اللاعب
تاريخ الولادة : 6 آب 1935
مكان الولادة : إينهاكا، مابوتو (موزامبيق)
المركز : لاعب وسط
الأندية : ديسبورتيفو لورينكو ماركيس (1951-1954)، بنفيكا (1954-1970)، أولمبيك ليون (1970-1971)، أستريلا دي بورتاليجري (لاعب ومدرب 1971-1972).
منتخب البرتغال : 57 مباراة (8 أهداف).
أبرز الإنجازات :
10 ألقاب في الدوري البرتغالي (1954-1955، 1956-1957، 1959-1960، 1960-1961، 1962-1963، 1963-1964، 1964-1965، 1966-1967، 1967-1968، 1968-1969).
6 ألقاب في كأس البرتغال (1954-1955، 1956-1957، 1958-1959، 1961-1962، 1963-1964، 1968-1969).
لقبان في كأس الأندية الأوروبية (1960-1961 و1961-1962).
المركز الثالث في كأس العالم إنكلترا 1966.