علاء المفرجي
المترجم محمد حنانا أصدر عدداً من المؤلفات والمعاجم الموسيقية ترجمة وتأليفاً منها: معجم أعلام الموسيقى العربية،
ومذكرات شوستاكوفيتش، وموتسارت، والقصة الكاملة للأوبرات العظيمة.. وغيرها، ويأتي كتابه (معجم الأوبرا) الصادر عن المدى ليضيف الى هذه المؤلفات الموسيقية كتاباً آخر يتناول جانباً مهماً لهذا الفن.
يتضمن هذا المعجم عدداً كبيراً من الأوبرات والقليل من الأُوبريتات، كما يتضمن أسماء الشخصيات الأوبرالية الرئيسة، وعدداً كبيراً من الآريات الشهيرة، الى جانب المصطلحات الأوبرالية الهامة. وقد وردت جميع الأوبرات الفرنسية والألمانية والأسبانية وردت كما يقول المؤلف "عناوينها في المعجم بلغاتها الأصلية مع الترجمة العربية لتلك العناوين؛ مثلا (حفلة رقص تنكرية) وردت في المعجم بأسمها الأصلي باللغة الايطالية، أما الأوبرات الأخرى الروسية أو التشيكية .. الخ فقد وردت عناوينها مترجمة الى الانكليزية"
أتت كلمة أوبرا من الإيطالية وتعني عمل. وهذه الكلمة هي اختصار لتعبير «Opera in musica»، أي عمل من خلال الموسيقى. والأوبرا هي دراما ملحّنة يغنيها المغنون بمرافقة الآلات الموسيقية. وقد نشأ هذا الشكل في العقد الأخير من القرن السادس عشر، وكان نتيجة اجتماعات عقدها شعراء وموسيقيون في قصر الكونت باردي في فلورنسا هدفوا من ورائها إلى إحياء الدراما اليونانية. لقد رغبوا في إعادة ما كان يجري في المسرح اليوناني حسب ظنهم. وبالطبع، إن ما أنجزوه كان شيئاً مختلفاً تماماً. والأمثلة المبكرة لهذا الشكل نجدها عند بيري (1561- 1633) وكاتشيني (1545- 1618). وكان الإلقاء المنغم «الريسيتاتيف» هو المعْلم المسيطر. لكن مع مونتيفيردي، الذي انشغل بالعمل الأوبرالي بدءاً من 1607 إلى 1642، تطوّرت الأوبرا سريعاً مستعيرة عناصر من المادريغال ومن الموسيقى الكنسية الفينيسية المنمّقة. كان كلوديو مونتيفيردي الأولَ بين مؤلفي الأوبرا العظام. بالطبع كان أسلوبه محدود الوسائل- إنه يتضمن في معظمه ريسيتاتيفاً، ويخلو من الآريات، لهذا يبدو وكأنه ليس أكثر من ريسيتاتيف طويل يتخلله أحياناً فاصل أوركسترالي، لكن الشيء المتميز في ريسيتاتيف مونتيفيردي هو جودته، إنه يبدو صادقاً بكل ما في الكلمة من معنى، وفيه إحساس مدهش، وقد حذا كافاللي حذو مونتيفيردي، لكن حصل تقدم أكبر، على الصعيد الشكلي، على يد أ. سكارلاتي الذي ألّف 115 أوبرا في الفترة ما بين عام 1679 و 1725. وقد استخدم المرافقة الآلية مع الريسيتاتيف عام 1686.
والأوبرا هي شكل من أشكال المسرح حيث تعرض الدراما كلياً أو بشكل رئيسي بالموسيقى والغناء، وقد نشأت في إيطاليا عام 1600. الأوبرا جزء من الموسيقى الغربية الكلاسيكية. في أي أداء أوبرالي، تُعرض عدة عناصر من عناصر المسرح الكلامي مثل التمثيل، المشاهد والأزياء، والرقص بعضاً من الأحيان. عادة ما تكون عروض الأوبرا في دار أوبرا مصحوبةً بأوركسترا أو فرقة موسيقية أصغر قليلاً.
تطورت الأوبرا تاريخيّاً انطلاقاً من المدائحيّات، حيث ظهرت جماعات دائمة منظمة بمبادرة من رجال الدين في الكنيسة الغربيّة مهمتها إقامة جوقة دينية لكل عيد يقام وفق تقاليد المداحين وسميت هذه المجموعة من المؤلفات التي تنشدها هذه المجموعة باسم (المدائحيّات) وكان بعضها يحتوي إخراجاً معقداً ومكان العرض المفضل في البدء كان داخل الكنيسة، ويتم الحفل بأسلوب متعدد النغم، وبعض الجوقات، ثم جوقتان متناوبتان، ولضرورة المؤثرات المسرحية تحولت المسرحية إلى باحات الكنائس ثم إلى الساحات وفي القرن الخامس عشر ظهرت المنصة بظهور التمثيليات الدينية، وكانت تقسم إلى أجزاء يسمى كل منها (البيت) وتوضع عليها لافتة توضّح غايتها، وكانت الجنة في الأعلى وفي إحدى الزوايا يفغر تنين شدقيه ليكون مدخل الجحيم، وكانوا يستخدمون مقاطع شعرية تتألف من ثمانية أبيات ربما وفقاً لفن الإنشاد الرتيب الذي كان يمارسه "المغنون الشعبيون".
وهنا يمكن الوقوف عند كلام فيتوباندولفي : [ …وفي هذه الحال، قد يجوز لنا أن ننظر إلى المدائحيات على أنها أول أشكال المسرح الموسيقي، الذي قدر له أن يتحول إلى "أوراتوريو" (ابتهالية) وإلى "أوبرا" (مغناة) ]. ويمكن القول بأن "....." هي أوبرا ذات موضوع ديني تقدم في الكنيسة عوضاً عن المسرح فقد انبثق كل من الأوبرا ....من جذور واحدة، كما انبثقت التمثيلات الدينية (مسرحيات الأسرار أو آلام المسيح) والمسرحيات الدنيوية من جذور واحدة.
أما في البلاط وقصور النبلاء في القرن الخامس عشر والسادس عشر فقد ظهرت عروض تتميز بالثياب الفاخرة وعجائب الديكور الذي لا يتعلق بالرسم وحسب بل بالنحت والهندسة، وكذلك بفواصل موسيقية بين الفصول ذات مضمون أسطوري أو رمزي، وقد ساهم أعظم فناني العصر كـ "رافائيل" و"برامانته" و"اريوسته" بتنفيذ الديكورات، التي ترتكز على مؤثرات تحصل بواسطة المنظور ومزيج بين الرسم والهندسة، كما كانت ألوان الأزياء تختار بعناية (على الأغلب فاتحة) كما كانت هناك تعاليم للحركة على المنصة (عدم المشي إلا عند الضرورة القصوى) وتعاليم النطق واللفظ وكذلك دراسة الإضاءة المناسبة للمنظور المرسوم واستخدام المرايا، كما واستخدمت أوركسترا موسيقية ودرست علاقات دخولها مع الكلام أثناء العرض المسرحي.