أجرى الحوار/ سهيل سامي نادرروضان الخطاط: هذا الإسم الحرفي الذي يستلهم تقاليد الخطاطين المجيدين يعتبر علامة فارقة في الخط العربي والزخرفة الإسلامية في العراق والعالم العربي. حين تقرأ هذا الإسم أسفل كل لوحة نعرف إننا إزاء عمل يتصف بالجودة العالية: اسم يحتكم إليه الخطاطون مثلما كانوا يحتكمون إلى المرحوم هاشم الخطاط.
إنه الحفيد غير المنازع، والحفيد الذي لم يبق في تحديدات الحرفة، بل اغتنى بتدريب أكاديمي من مستوى رفيع. اسمه الحقيقي: عبد الرضا بهيّة، وعلينا أن نضع لقب الدكتور قبل اسمه، فهو حاصل على درجة الدكتوراه عن أطروحته: "بناء قواعد لدلالات المضمون في التكوينات الخطية". يعمل الآن رئيساً لقسم الخط والزخرفة في كلية الفنون الجميلة ببغداد. وجه يحمل سمات الإنشغال، متواضع تواضع الحرفي المؤمن، نظارة سميكة على عينيه تشي بأنه استهلك بصره في عمل دقيق يحتاج إلى صبر أيوب. محب للكمال والنزاهة في الأداء والتجويد في العمل والسلوك، استغرق خمسة أعوام في عمل دؤوب لخط وزخرفة نسخة رائعة من كتاب الله الكريم لم تخرج للنور للأسف، واحسب إنها ستحوز مكانة رفيعة. إن شيئا من ذلك الدأب المتعب ظل ماثلاً في وجهه مع كثير من التسامح الذي يتصف به الحكماء. تستطيع أن تميز عمله من بين آلاف الأعمال، فهو يصنع تحفاً فريدة مؤسسة على قراءة معرفية. حاز في عام 1988 على الجائزة الأولى لمسابقة اللجنة الدولية للحفاظ على التراث الإسلامي التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي ومقرها في اسطنبول وذلك عن خط الثلث. وفاز بالجائزة الأولى لثلاث دورات من مهرجان بغداد الدولي العربي والزخرفة الإسلامية. التقيته في المهرجان الرابع بعد أن حصد على جائزته الأولى أيضاً محاطاً بتلاميذه والمعجبين به، بينما كانت أعماله الثلاثة المعروضة تشكل مركز تجمع للمتأملين والمتذوقين. هذه الأعمال وضعتها كمحور للحوار معه، ما الذي توصل فيها، ما الذي يجذب الجمهور إليها؟ التجويد في الخط، جماليات الزخرفة... البناء الفني العام.. تضافر كل هذه العلاقات بلونية مزهرة رصينة؟ وأعرف منه أن أعماله عكست توصلاته في مجال الرؤية وبناء اللوحة الخطيّة المؤسسة على مفهوم القراءة الثالثة. rn القراءة الثالثة إذن. وثمة قراءتان قبلهما تفضيان إليها. فما طبيعة هذه القراءات التي تجسدت بعمل فني؟ يقول الدكتور عبد الرضا بهيّة: - "الكثير من الأعمال تقف عند حدود التجويد الخطي والزخرفي. هذا التجويد يعكس ولاشك مهارة على مستوى الآداء، لكن اللوحة الخطية تعالج نصاً، وهذا تحصيل حاصل، لكن تترتب عليه نتائج مهمة بالنسبة لمفهومي للقراءة. النص يمثل مشروع القراءة الأولى، وهي قراءة تستوفي مداها بمجرد امتلاك النص من قبل المتلقي. إنها قراءة حسية ظاهرية، أما القراءة الثانية فهي تعتمد على إدراك نفسي وذهني يقوم على مبدأ الإستمتاع الجمالي. يمكن إذن اعتبار القراءة الثانية قراءة جمالية ذات مضمون عاطفي ونفسي. إذا ما توقفت عند هذا الحد، أي راعيت الآداء الجمالي فقط ، فأنا أُضعف الطاقة القرائية في الشكل لحساب متغيّر الجمال والأداء الزخرفي، وهذا ما نجده في أفاريز المساجد التي يصعب قراءتها بسبب تشابك وترابط التوظيف لأغراض جمالية زخرفية صرفة. عليّ إذن أن أنتقل إلى القراءة الثالثة التي تحقق من خلال الطاقة العلاماتية (السيميائية) للمفردات التي تؤسس التكوين العام. إنني أنتقل هنا إلى مجموعة عناصر وعلاقات: الشكل واللون والملمس، قيمة كل العناصر. فلكل خط قيمة تختلف عن الخط الآخر، ثم هناك العلاقات الإنشائية والجمالية كالتضاد والتوازن والتكرار والإنسجام والتناغم، كل تلك العلاقات تأخذها القراءة الثالثة وتحللها. rn كيف تعامل هذه العلاقات كعلامات دلالياً؟ - يجيب الدكتور عبد الرضا: "القراءة الدلالية هي انفتاح على النص بجميع علاقاته ومفرداته، فأنا لا ألغي القيمة الأدائية للنص (القيمة القرائية)، كما احتفظ بالأداء الجمالي للبنية الكتابية. إن جميع العلاقات تصبح منطلقاً للتحفيز الإيحائي أو ما نسميه بالإحالات التحليلية. هناك على سبيل المثال الإحالة الزمنية. الزمن دلالياً يتحول إلى طاقة غير مميزة لكنها تتحقق نتيجة الإفصاح العلامي لكل مجموعات العناصر والعلاقات المودعة في النص. تفسّر القراءة الثالثة العلاقة بين الشكل والمضمون، فحين يتحدث النص عن الحق والباطل، عن الحياة والموت سيكون عليّ أن أعالج كل العناصر والعلاقات من خلال متغيّر التضاد. إن نصاً قرآنياً: "وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان"، يحيلني إلى فكرة التوازن. دلالة النص تحيلني كمصمم إلى معالجة قوامها متغيّر التوازن، وفي هذه الحالة يتحول الشكل والتكوين العام إلى حالة من البناء المتوازن والمتناظر. نلتقي هنا بصورة فنية متكاملة. نحتكم للأداء الوظيفي لتحقيق الوضوح، والوضوح ليس معناه سهولة القراءة فقط، بل دور اللون في وظيفة التأكيد وعناصر التأكيد الأخرى والمعاملة الخاصة حيث ما ورد اسم الجلالة. حين أراعي الأداء الجمالي لا أضعف الطاقة القرائية، فالتجويد مهم لكن النص مهم لنا مثلما هو مهم بذاته. ومعروف أن الدلالة في حالة تغيّر في النص، الأمر الذي يستدعي أن تعالج كل المفردات والعناص
الدكتور عبد الرضا بهية (روضان الخطاط): سر الجمالية يكمن فـي القراءة الثالثة!
نشر في: 24 مايو, 2010: 05:22 م