محمد خضيرملاحظة:نحن نرى مشاهد هذا الفلم من خلال عين كائن أحدب، غير مشخّص ولا مسمّى، يدبّ كالسرطان ويخشخش فنسمع خشخشته مع كل لقطة تدل على وجوده من دون رؤيته، حتى لنحسب هذا الصوت من عيوب الفلم الفنية. لكننا نسمّي هذا الكائن في شريطنا بالكاتب الخفي أو الكاتب الشاهد. ولهذا الكائن قناتان صوتيتان: حوار مقطعي نسمعه خشناً مدغماً،
وتعليق صاف رقيق فصيح صادر من حنجرة طفل نسمعه عند انقطاع الخشخشة المصاحبة لحركة الكائن. صوت الأب الصادر من الكلًة في المشهد الثالث صوت محايد. وفي المرات التي نرى ظل السرطان على الحيطان، نحس بوجود كائن مثقل بالصمت والشيخوخة، غير أن صفاء الصور وشاعريتها تدل على قوة بصر الكائن البرمائي ونفاذه خلال الأماكن وسرمدية عينه التي لا تغمض ولا تنام. رغم ذلك، فهذه الملاحظات لا تعيّن عمراً للسرطان في المشاهد الثلاثة للفلم. يضاف الفلم إلى وثائق الذاكرة العراقية المخرومة في أكثر من موضع، شهادة على أنها لا تُخرم أو تضيع في حضور عين لا تنام وصور لا تُفسّر. مدة الفلم لا تتجاوز خمس عشرة دقيقة. ترجم قصيدة لوركا: حسين عبد الزهرة مجيد. rn 1.الحوض: ظلّ السرطان يسبقه في ممرّ طويل (نفق تحت الأرض واطئ السقف مغطى بالشعارات والملصقات، تشير السهام المرسومة على جانبيه إلى أنه ممرّ التاريخ المعروف بكثرة ملاجئه وسراديبه). يستمر الظِلّ مسحوباً حتى نهاية الممرّ. نقترب من حوض ولادة السرطان أو موقع دفنه.تعليق الطفل: حوض الكتابة. حوض الاغتسال. الانبثاق من ثقب العمل. تعميد الحقيقة وطمرها. الكرّ والفرّ. تاريخ الكائنات المتوارية.حوض اغتسال بورسليني أبيض، مضاء بنور مصباح وهّاج يتقوس حامله المعدني فوق الحوض، صوت انسكاب ماء يختلط بخشخشة السرطان. صوت السرطان الأجش: ما ما.. وش وش.. بش بش .. تعليق الطفل الرقيق: أغصان الصفصاف تحف بمغطسك أيها المخلوق المعذّب. اليدان المزهرتان تغمسانك في ماء الورد. تطهران عذابك النهائي. الحوض المَطهَر.صوت السرطان: خش خش.. دم دم.. سك سك.. كين كين..تعليق الطفل يتأرجح بين الضحك والبكاء: مغسلك مملوء بالظلال. البنادق والحراب. الجثث المقيدة. العيون المطفأة. عينك لا تنام.rnصوت السرطان المشوه المدغم: أوركوساد.. أوركوسين.. أوركوليط..صوت الطفل: إش إش.. لننسحب أيها الدرويش غير الكامل. حان وقت الانسحاب. لنذهب إلى محرابك كي ندقق صور شعبك، وننقّح أخطاء عائلتك.rn2. الأستوديو: ظلّ السرطان يتجسّم على جدران الأستوديو المعتمة كمينوتور بيكاسو، يتقافز متابعاً تنقلات هيكلٍ عظمي في ضوء الأستوديو الأحمر. تتواثب الصور (صور القتلى المغدورين) على خلفية صوت الطفل المعلّق يقرأ قصيدة لوركا (اللحن الفاصل): عيناي تلك عام ألف وتسعمائة وعشرةلم تريا دفن الميتولا حفل رماد للذي ينحب في الفجرولا القلب المنزوي مرتجفاً كفرس البحر.عيناي تلك على رقبة المهرعلى الثدي المطعون للقديسة روزة وهي نائمةعلى سقوف الحب، مع إناث وأياد باردةعلى الحديقة حيث تأكل القططُ الضفادع.علية الدار، حيث الغبار العتيق يتراكمعلى التماثيل والطحلبصناديق تحفظ صمت السراطين المبلوعة في المكان الذي يتعثر فيه الحلم بحقيقته. ذلك ما رأت عيناي الصغيرتان."rn3. المخدع: يتقدم السرطان إلى كلّة بيضاء يشع الضوء من داخلها. تعليق الطفل: تقدم من أصلك. من أبيك. تقدم بهدوء. ممرّ الولادة يتفرع بك إلى ممرّ النضج أو التضحية.صوت من داخل الكلة: لمَ عُدتَ أيها الدحداح القبيح؟ يا ولدي الأعوج! صوت السرطان: دح دح.. در در.. جر جر..صوت من داخل الكلة: تريد الدراجة! فكّ قيدها وخذْها. اسرحْ إلى شاطئك، انضمّ إلى ربعك. إنها مربوطة وراء البيت.صوت الطفل: بل إلى حتفك أيها المسكين! كيف ستمرّ من حواجز غرناطة؟صوت من الكلة: بغداد. بغداد. بغداد. صوت السرطان: بغ بغ.. داد داد..صوت الطفل: يا للمعجزة! يسير بين البنادق في غرناطة الموت، نحو الحقول الباردة، والشواطئ المقفرة. المعجزة الحلم.صوت من الكلة: ليست الحياة حلماً يا بني! انتبه، انتبه، انتبه!صوت السرطان: با با.. ما ما.. واو واو.. صوت من الكلة: انسلخْ أيها المعوجّ كمقود دراجة. خذْ مطيتك وانصرفْ إلى غرناطتك! صوت السرطان: واو واو.. ينطفئ الضوء في الكلة، يخشخش الصوت المحتكّ على الشاشة المظلمة، ثم يهمد.
خارج العاصمة: عينُ السَّرطان.. (سيناريو فلم قصير)
نشر في: 24 مايو, 2010: 05:23 م