المدى / جبار بچاي
لا أثر للنفط أو لعائداته المالية على هذا الحي الذي يقع جنوب شرقي مدينة الكوت بمحافظة واسط.. "حي النفط " مكتفياً بالاسم فقط كنصيب حقق له شهرة واسعة فاقت شهرة أقدم أحياء المدينة وأكثرها عراقة.
ظهر حي النفط الى الوجود أول مرة عام 2004 حين حط بعض النازحين من مناطق الحصوة في بغداد رحالهم جوار الشارع الرابط بين الطريق العام كوت - حي ومستودع النفط في الكوت، فتطورت التسمية من شارع النفط الى حي النفط الذي تشظى وتناسل ثم تمدّد كالأميبيا ليصل عديد العوائل التي تسكنه حالياً أكثر من ثمانية آلاف عائلة.
يجول في شوارع الحي الأكثر شهرة في مدينة الكوت، الفقر والجوع ونقص الخدمات ورغم ذلك فأن منازل ساكنيه مفتوحة للقادمين خاصة مع قرب إجراء كل انتخابات برلمانية أو محلية حيث تنهال الوعود والتطمينات التي لم يتحقق منها شيء سواء قلابات السبيس لردم المستنقعات الكثيرة في فصل الشتاء أو لتسوية وتعديل شوارعه غير النظامية .
وأكثر ما يسعد أهالي حي النفط في الكوت، بل الأكثر قرباً لهم الفرق التطوعية الشبابية التي تقوم بتقديم السلال الغذائية وبعض الاحتياجات لفقراء الحي دون أن تنقطع عنهم ولو ليوم واحد، بينما أكثر ما يزعج الأهالي المداهمات التي تقوم بها القوات الأمنية من حين الى آخر بحثاً عن مطلوبين أو متهمين فتعتقل بعضاً من الشباب لكن سرعان ما يتم إطلاق سراحهم لعدم ثبوت الأدلة ضدهم.
مدرستان
من المفارقات في حي النفط بمدينة الكوت كما يذكر الناشط المدني إياد العايدي وهو من سكان الحي أن " أحد المواطنين قد استولى على بناية مدرسة ابتدائية كانت في طور التنفيذ وحوّلها الى منزل مازال يسكن فيه الى الآن."
وأضاف " صحيح أن الغالبية من سكان حي النفط خليط غير متجانس والكثير من العوائل التي وفدت من مناطق أخرى أغلبها من خارج واسط أيام العنف الطائفي لذلك من المتوقع حصول حالات سلبية تكون مرفوضة من قبل الآخرين."
مشيراً الى أن " قصة المدرسة التي تم الاستيلاء عليها قابلتها قصة أخرى لمجموعة مواطنين من أهالي الحي المذكور ينتمون الى عشيرة العايد التي تعد أكثر العشائر تماسكاً واهتماماً بحي النفط ، إذ تبرعوا بقطعة أرض لتكون مدرسة وفعلاً سُلمت الى التربية وشُيّدت عليها مدرسة من الكرفانات ساهموا فيها بجزء كبير من خلال تبرعاتهم ، وحملت اسم مدرسة الشهيد سلام يوسف فضالة."
ويقول العايدي " كجزء من المواقف المشرفة لأهالي حي النفط فقد ساهمت لمدة عامين كمعلم متطوّع في هذه المدرسة ودرّست التلاميذ بسبب نقص الكادر وهناك مواقف ومبادرات كثيرة لأهالي حي النفط رغم فقرهم وعوزهم المادي المعروف."
نستقبل الجميع ونحصل على القليل
" بعد أن تمدّد حي النفط وصار عبارة عن مجموعة أحياء متجاورة وزاد عدد سكانه، أصبح للحي ثلاثة مختارين" يقول أقدم مختاري حي النفط زعير عذيب يونس مضيفاً " صحيح الحي عبارة عن خليط من العائلات أغلبها غير متجانسة لكن حي النفط متماسك اجتماعياً وهناك ألفة وتعاون بين ساكنيه في كل المناسبات والمواقف رغم ظروفهم المعيشية الصعبة وهذه بادرة إيجابية تُحسب لهم."
وأضاف " يستقبل أهالي حي النفط جميع الذين يفدون لهم بمناسبة أو بدون مناسبة خاصة المسؤولين الذين يتوافدون بكثافة قبيل كل عملية انتخابية فنطرح عليهم احتياجات الحي خاصة تلك التي تعنى بالخدمات والحاجة أيضاً الى تنظيم الشوارع والكهرباء وشبكات مياه الشرب لكننا في الواقع نحصل على القليل رغم أننا نطرح الكثير."
ويكشف يونس عن " أن المرشحين في كل انتخابات يمطرون أهالي حي النفط بالوعود التي لها أول وليس لها آخر لكن النتيجة لا تكون مرضية لنا ، بل في كل مرة نشبع وعوداً ."
وأضاف " لا أتذكر حصلنا على أكثر من السبييس."
الناشطون أكثـر صدقاً
لكنه رغم ذلك ما لبث أن يشيد بدور الناشطين الذين لم ينقطعوا عن زيارات حي النفط ولو ليوم واحد مؤكداً أن " الفرق التطوعية قدمت خدمات جليلة للعوائل الفقيرة في حي النفط من خلال تزويدها بشكل مستمر بالسلال الغذائية والأدوية والعلاجات وبعض الاحتياجات الأخرى مثل الأجهزة الكهربائية والملابس إضافة الى بناء المنازل."
منوهاً الى أن " شهر رمضان الماضي شهد توزيع آلاف السلال الغذائية التي سدّت حاجة الناس الى المواد الغذائية المختلفة."
ويكشف المختار زغير عن وجود تعاون وثيق بين أهالي حي النفط والجهات الأمنية لرصد الغرباء والخارجين عن القانون والعابثين الذين قد يفدوا من أماكان أخرى فيتم الابلاغ عنهم بعد رصد تحركاتهم المرفوضة."
ضباط وقادة وآمرون
على مقربة من حي النفط هناك حيّان سكنيان شُيدا في ثمانينيات القرن الماضي يعودان الى وزارة الدفاع، الأول يسمى دور نواب الضباط والآخر دور الضباط ، يعودان الى ضباط موقع الكوت القريب لكن انشطار حي النفط وتمدّده لمساحات واسعة أدى الى أن يكون الحيّان المذكوران جزءاً منه كما يقول المختار راهي العكيلي مضيفاً ، أن " تلك الدور مشغولة حالياً من قبل عدد من الضباط والقادة والآمرين في وزارتي الدفاع والداخلية وهناك تعاون وثيق بين سكان تلك الدور وبين أهالي حي النفط ذات الكثافة السكانية العالية ."
ويناشد العكيلي السلطات الحكومية في محافظة واسط بـ " ضرورة الاهتمام بهذا الحي الذي يعاني الفقر ونقص الخدمات لاسيما وأن الغالبية من ساكنيه هم من أصحاب الدخل المحدود الذين بالكاد يحصلون على قوتهم اليومي من خلال تطوير خدماته وإيجاد فرص عمل مناسبة لشبابه العاطلين عن العمل."
ويقول إن " حي النفط ذائع الصيت ليس له من النفط سوى الاسم لكن واقع الحال مؤلم جداً، ففي فصل الشتاء تغدو شوارعه بركاً ومستنقعات وكم مرة تهاوت بعض البيوت على ساكنيها وحصلت وفيات ذات مرة، إما في الصيف فواقع الحال مؤلم جداً من خلال نقص مياه الشرب والكهرباء وباقي الخدمات الأخرى."
التجاوزات ممنوعة
جنس الأراضي لحي النفط زراعي وهي تباع بطريقة التقطيع والبيع بشكل كيفي تبعاً لرغبات أصحابها في وقت يمنع الأهالي إنشاء منازل على الأراضي الأخرى خاصة المخصصة كشوارع أو مبان عامة وتساندهم بذلك الجهات المختصة التي تمنع حصول أي تجاوزات .
وأوضحت قائممقامية قضاء الكوت أنها " نفذت مؤخراً حملة لإزالة التجاوزات التي قام بها البعض في حي النفط وذلك أثر تلقيها شكاوى من القسم البلدي الذي يشرف على حي النفط ضمن الرقعة الجغرافية للمركز البلدي في منطقة الكرامة."
ويبيّن قائممقام قضاء الكوت حامد السعيدي إن " البلدية نفذت حملة في حي النفط لإيقاف عمليات تمدّد على بعض المساحات وتم رفع التجاوزات وإنذار المتجاوزين
كون بعض الأراضي المحاذية للحي تعود الى بلدية الكوت، ومخصصة لتنفيذ مباني عامة قسم منها مجمعات سكنية ."
وأشار إلى " قيام بعض الأشخاص في نفس المنطقة بتفتيت وبيع أكثر من 150 دونماً إلى المواطنين بشكل غير رسمي وبيعها كقطع سكنية الى آخرين ." منوهاً الى " القيام بالإجراءات القانونية بحق المخالفين من خلال رفع شكاوى إلى المحاكم المختصة في الكوت لغرض تطبيق القانون بحق كل شخص يرفض إزالة التجاوز أو يستمر في عملية تقطيع الأراضي وبيعها."
مؤكداً في الوقت نفسه أن " الحكومة المحلية وإدارة المحافظة ومن خلال البلدية وباقي الدوائر الخدمية الأخرى تعمل على وضع خطة مناسبة لتأهيل وتطوير حي النفط وشموله بالخدمات المتكاملة ليكون أحد أحياء المدينة النموذجية."
منوهاً الى أن " ذلك يحتاج بعض الوقت لكن لا تراجع عنه أبداً ."