TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > على فكرة: نجمة الميزان عن الدكتورة: نادية العزاوي طبعاً

على فكرة: نجمة الميزان عن الدكتورة: نادية العزاوي طبعاً

نشر في: 31 مايو, 2021: 09:29 م

 د. أحمد الزبيدي

لنجوم السماء نصيبٌ من الحكايات والأساطير والسرديات التي (يتعلّل) بها القرويون تحت مائدة الليل السخيّة، بما تشتهي عيون، المروي لهم، من رؤية لمصابيح لا ينطفئ تلألؤها حتى يضيء مصباح النهار ..

وما تختلف فيه حكايات النجوم عن سواها من الحكايات الأرضية، إنها تشترط حضور النجمة المحكيّة، فلا ذكر لها في نهار ولا في سماء ملبدة بالغيوم، وهي أول الشاهدين على تخيلات سرد العجائز والعجائب..

وبحكايات الأمّهات ومقاصدهنّ عرفنا : (بنات نعش ، والثريا ...) وعرفنا مَنْ (نجمة الميزان !) .. تلك النجمة اللامعة المتوسطة بين نجوم صغيرات، تدلّ حكايتها على (الثبات) والنصاعة والنقاء والوفاء للعدل، بخلاف رفيقاتها ، اللواتي يتغيّر موقعهن مع تغير المواسم الفلكية.. ويتغيّر حالهن مع تغيّر السرد !

عن تلك النجمة سأتحدث، ولكن ليس حديثًا أسطورياً، ولا يقترن بالليل وسُمّاره؛ بل سأتحدث عن نجمة في سماء الثقافية العراقية، عن نجمة واقعية، أعني الأستاذة الدكتورة (نادية العزّاوي) ذات النصاعة اللامعة في الأوقات كلها، والثبات الذي لا تغيره السياسة الفلكية ولا (الحال) الاجتماعية المتغيرة مع تغير مواسم البلاد..

نجمة بقيت على صفتها ولمعانها الذي لا يهفت..

ومَنْ ينبش في منجزها العلميّ يجد أن مرجعياتها الثقافية تنهل من منابع متعددة، من أبرزها: المنبع التراثي العربي الأصيل، والحداثة النابعة من عقل تنويري متحرك يزعزع الثوابت الجاثمة على صدر الحقائق الجاهزة؛ فهي تؤمن بـ الحقيقة المعرفية، الحقيقة الحرة، الحقيقة البصيرة، وتنزعج من (تشكلات الحقيقة) ذات الأنساق الإيديولوجية الهادفة إلى امتلاك العقل بما يخدم مصالحها.

وعلى حد تعبير الدكتور سعيد عدنان عن الدكتورة نادية العزاوي : ((ورائدها في ذلك كله الصدق والإخلاص ومحبة الحقيقة، وقد كان من تمام عملها أن خرجت بالقيم الأكاديمية إلى أفق الثقافة الرحيب؛ فكتبت في الصحافة الأدبية، وحاضرت في منتديات الثقافة بمواد أصيلة رصينة. وكلّ عملها إنّما تُظلّه روح عراقية نبيلة، ويُضيئه شعاع الوفاء. )) ( مقالات في الأدب والثقافة / ص269).

وحين ينصفك الحظ لتكون من تلاميذها الجامعيّين ستجد نفسك مرغمًا على أن تنسى الزمن الحالي؛ لأنها ستقودك بسحر كلامها وثقافتها الواسعة إلى حكايات الكتب المصفرّة من الألم والغياب: ستجد نفسك تتجول في شوارع بغداد العباسية ، وسترى المتنبي نصب العين ، وفي لحظة خاطفة ستعرف تفاصيل مكتبة رزوق فرج رزوق، وحجم قامة عبد الإله أحمد، وعذابات حلاجها (ألفريد سمعان)، وصبر علي جواد الطاهر، ستعرف تفاصيل القابض على الجمر (قاسم عجام)، ستعرف اللحظة التي تشرب فيها عاتكة الخزرجي قهوتها، وستعلمك كيف تكون مبدئياً، وتكون (موقفًا) تنتسب إليه بملء الفخر.. وهي كما هي بقصّة شعرها اللاتتجاوز شحمة الأُذن، وصوت مدوزن على مقام الهيبة والوقار، وعين تبتسم لطلابها أينما هلّوا عليها بالتحية والسلام، نعم كما هي، قبل الاحتلال وبعد الاحتلال، ولكن مع ارتفاع ضغط التمزق والتشظي للهوية العراقية المدنية الأصيلة تزداد نحولاً وألماً على الذاكرة الوطنية العراقية، فجعلت لها كتاباً عنوانه (من تجليات الذاكرة دراسات في نصوص عراقية) تحدثت فيه عن (التاريخي والجغرافي) بوصفهما شرطين أساسيين للوجود الإنساني، بما يختزن من قيم رفيعة مشرفة وشخصيات وأسماء ورموز نواجه بها عوامل القهر والتشويه والتغريب ...

ودعونا ننتفع من نصيحة النقد الحديث بشأن عتبات النص بوصفها جزءاً لا يتجزأ من بنية النص الكلية، ونلتفت إلى إهداءاتها المستهلة لكتبها؛ ففي (تجليات الذاكرة) تصدح بقولها : ((السلام على الضحايا والأبرياء يتساقطون على تراب هذا الوطن الموعود بالضيم والدم على مرّ تاريخه)) وفي ( القابض على الجمر ): (إلى الحالمين بالحق والخير والعدل في وطني لكم أسوة حسنة في مواكب الشهداء التي سبقتكم إلى المذابح) . .

إنها نصائح تنبض حكمة وتبوح ألمًا، وإهداء لا يخصّ المتحدث عنه حسب بل - أيضاً - للجارة التي تسمع وتقرأ وتكتب وتناضل ..

عادة ما تنتهي قصص نجوم الليل بخاتمة تستريح لها القلوب؛ ولكن نجمة الميزان: نادية العزاوي، لا خاتمة لحكايتها؛ لأنها مازالت على قيد العطاء..

وإن كان لا بد من خاتمة لهذه الحكاية فهي لا تتعدى النصيحة بأن ما يشبه نجمة الميزان في السماء الليلية ونجمة ميزان الثقافة العراقية أنك لا تستطيع أن تبصرهما، جيداً، إلا برأس مرفوع.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. نهى

    لكل شخص نجم لامع في سمائه وانتَ نجمنا الامع والثابت

  2. ملاك الحيدري

    يمكن التوقف عند كل الأسماء لقراءتها او دراستها الا الدكتورة نادية العزاوي فلا يمكن التوقف عندها بل المضي فيها واليها..نجمتنا التي ترفع الرؤوس بشموخ علمها وادبها تحياتي

  3. محمود عبدالمجيد عمر

    رفعت رأسي يوماً لأراها، ومنذ ذلك اليوم بقيت مرفوع الرأس بها لأنني كنت وما زلت تلميذا لها

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: ذهب نور وجاء زيد

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

 علي حسين الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف...
علي حسين

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 3)التجربة الكوريةتجربة كوريا الجنوبية في التعليم تعتبر واحدة من أنجح التجارب العالمية فقد استطاعت أن تحقق قفزة نوعية في مسارها التنموي، فحوّلت نفسها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية عظمى في...
د. محمد الربيعي

مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة

قحطان الفرج الله مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا...
قحطان الفرج الله

تفاسير فظيعة في تفخيذ الرضيعة

حسين سميسم وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في...
حسين سميسم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram