حازم مبيضينما يجري في العراق اليوم هو الأمر الطبيعي المعروف في الدول الديمقراطيه، والتهديد بحرب أهلية أو عودة العنف الطائفي، إن لم يشكل فلان أو علان الوزارة، ليس أكثر من فزاعة للتخويف لن تجدي ولن تؤثر، فالحكومة الجديدة يجب أن تمثل النتائج الحقيقية للانتخابات، التي أثبتت"بعيداً
عن اتهامنا بالطائفية"أن المكون الشيعي يمتلك في البرلمان عدداً من المقاعد يفوق ما يمتلكه أي مكون آخر، وبتفصيل ذلك عملياً فان القائمة العراقية التي يتزعمها الدكتور اياد علاوي الشيعي، والمتكونة من تحالف لايمكن وصفه بالمتجانس تماماً من الناحية السياسية، ويشكل السنة أغلبيتها لن ترضى بمنح زعيمها منصباً يضاف إلى مناصب الشيعة ويسحب من حصة المكون السني، وهنا علينا ملاحظة أن المحسوبين على الدكتور علاوي لايزيدون عن الخمسة عشر نائباً، ورغم أنه يتزعم القائمة، فان النجيفي مثلاً يسيطر على حوالي العشرين مقعداً لن يتخلى عن حقوق ناخبيه، لمجرد أن يتولى علاوي هذا المنصب أو ذاك.في عراق ما بعد انتخابات 2010 تعلّم الجميع أن مقاطعة العملية السياسية لن يعود بالفائدة على من يقوم بها، وتعلّم الجميع أن التهديد بمقاطعتها لن يجدي نفعاً، لان كل واحدة من القوائم الكبرى الفائزة، تضم طيفاً من مكونات الشعب العراقي. صحيح أن الغلبة هي لطائفة معينة لكن الطوائف الاخرى ليست مغيبة تماماً، والراهن أن ائتلافي دولة القانون والوطني يمكنهما تشكيل الحكومة الجديدة، وضم سياسيين من الطائفة السنية من الناجحين في القائمتين، وهما بذلك تسقطان عنهما تهمة الطائفية، التي عمل المالكي جاهداً على الخروج من خيمتها المنغلقة إلى فضاء العراق الوطني الرحب، ويسعى عمار الحكيم اليوم للتشديد المستمر على عدم إمكانية أن تحكم طائفة منفردة الشعب العراقي، وهو بذلك يمثل الصوت الوطني الصائب ويرمي عن كتفيه عباءة الطائفية التي درج خصومه على اتهامه بها.يعرف الساسة العراقيون استحالة تكليف علاوي بتشكيل الحكومة، ليس لانعدام الكفاءة، وإنما لان الدستور الذي تنص إحدى مواده أن الكتلة البرلمانية الاكثر عدداً تسمي رئيس الوزراء، وعلاوي ليس عضواً في هذه الكتلة، وليس هناك إشارة في الدستور إلى أن رئيس الكتلة المترشحة والحائزة على أعلى الاصوات سيكون الرئيس بشكل اوتوماتيكي، الدستور يقول صراحة الكتلة البرلمانية، والقضاء العراقي المستقل فسر ذلك بأنها التي يمكن أن تتشكل بعد الانتخابات، يعرف الساسة العراقيون ذلك لكنهم يماحكون، وهذا من حقهم، لكن من واجبهم أيضاً أن يقرأوا أين تكمن مصالح شعبهم الذي تجاوز كل العقبات والتهديدات، ومضى غير آبه بالمصاعب إلى صناديق الاقتراع لينتخب حكومة توفر له الأمن والأمان.لسنا ضد علاوي، ولسنا أيضاً مع المالكي، لكننا نقرأ الواقع العراقي بتجرد وحيادية وتفهم أيضاً، متجاوزين بعض المقالات التي تنشر هنا وهناك وخارج العراق دائماً مبشرة بهذا الشخص أو ذاك، ولم يطلع كتابها على الدستور العراقي، وهم لم يعرفوا بعد أن عبد العزيز الحكيم قد انتقل إلى جوار ربه، فيتوهمون أنه ما زال رئيساً فاعلاً في الائتلاف الوطني، ولايفرقون بين تحفظات الصدريين على المالكي أو رفضهم توليه الرئاسة، والفرق واضح وبين، بين التحفظ والرفض، لمن أراد الحقيقة، أما الذين يركزون على الاوضاع القلقة في عراق مابعد صدام، فانهم يحاولون جرنا الى مربع باهت فحواه أن الامور كانت مستقرة قبل ذلك، وانه بحسب المثل الاردني كانت"الامور قمره وربيع"وهم يعرفون لكنهم يتجاهلون أنها لم تكن كذلك.
نقطة ضوء ..عراق ما بعد الانتخابات
نشر في: 24 مايو, 2010: 08:35 م