إياد الصالحي
يقف منتخبنا الوطني لكرة القدم على اعتاب مرحلة كروية تمثّل خلاصة جهود سنتين وتسعة أشهر من التدريب والمباريات الودية والرسمية، تحت قيادة ملاك سلوفيني تقاضى أكثر من ملياري ونصف المليار دينار عراقي، بانتظار حسم ثلاث جولات مُهمّة تقرّبنا من البوابة القطرية، أملاً بالمشاركة الثانية في كأس العالم، حُلم الشعوب ومطمح النجوم الأغلى في حياتهم.
صحيح لن يجد أسود الرافدين صعوبة في هزّ الشباك الكمبودية غداً بالأربعة مثلما شهدها ملعب (أولمبييك ستاديوم) في الخامس عشر من تشرين الأول عام 2019، أو بالعشرة إن استغلّ مهاجمو الوطني ترنّح الاصدقاء بعد هزيمتهم بثمانية أهداف أمام البحرين، لكن الصعوبة الحقيقية تكمن في عدم طمأنة المتابعين بوصول اللاعبين الى الانسجام التام لتفادي الأخطاء والمُحافظة على قوّة الفريق من خلال أمتلاك الكرة وحُسن التصرّف بها فردياً وجماعياً.
هل يمتلك سريتشكو كاتانيتش عنصر المفاجأة في المباراة؟ كل الدلائل الفنية تشير الى بساطة تعامله مع الاستحقاق المونديالي وقبله الآسيوي الذي يشغل ملايين العراقيين، فأقصى آمالهِ هو الخروج بهدف في كل اختبار أو التعادل أضعف الايمان، فالخسارة عنده تأكل من جرف سمعته وتقوّض الثقة به، لذلك لا يأبه للأسف إن لعب منتخبنا بكامل نجومه المحلّيين والمحترفين أم بالبدلاء!
كاتانيتش المدرب الأجنبي الوحيد الذي مرّ على كرتنا، أنهى مشواراً طويلاً من عقد عمله الذي شرع به منذ أيلول عام 2018 بعيداً عن تقييمات اللجنة الفنية المختصّة بمراقبة شؤون المنتخب الوطني، ومنعزلاً عن الإعلام الرياضي وحتى الجمهور، ولم يتفرّغ لتدريب اللاعبين سوى في أيام التصفيات أو البطولات، وهذا الركود "الأمتياز" بقدر ما وفّر للمدرب مُدة طويلة للتركيز على عمله، أفقده فرصاً ثمينة لتلقّي انتقادات مباشرة تُلفتْ انتباهه الى لاعبين لا يستحقون التغييب العَمد، وسوء تنفيذ البعض لواجبات دفاعية، وأخطاء متكرّرة تسهم في ضياع هجمات سهلة نتيجة بطء لاعب أو لاعبين في تدعيم الضغط على المنافس، وانخفاض اللياقة البدنية لجناح دفاعي مكلّف بدور هجومي، وعدم المُساندة في وسط الملعب، كل ذلك وغيره قد يَغيبْ عن فكر المدرب أثناء المباراة، وندفع الثمن بضياع نقطتين أو ثلاث ترمي بأمانينا خارج حسابات الأوائل والثواني!
لا ندري ما قيمة تواجد نجمين سابقين يمتلكان من الخبرة ما يعزّز من تكامل لاعبي المنتخب فنياً، وأعني بهما المدرب المساعد رحيم حميد والمدير الإداري باسل كوركيس، فالأول رافق أغلب مدربي المنتخبات الأجانب والمحليين ما بعد عام 2003 ولا أعتقد أنه يرضى لنفسه دور المُمرّن حاله حال الملاك السلوفيني، وإلا ما سرّ صمته وعدم تأثيره على قناعات المدرب في خياراتهِ السلبية أحيانأً، ثم أن علاقة كوركيس بالأخير تجيز له نقل ملاحظات حريصة تحترم خصوصية عمل المدير الفني وفي الوقت نفسه تسمح له بمشاركته الرأي لما يدور في الوسط الكروي من انتقادات موضوعية، فمنتخب الوطن ليس شركة خدمية لانتاج استهلاكي يرضى عنه الزبائن أو لا ويخاف حميد وكوركيس أن يُفسدا ذائقة مديرها بمقترحاتهما، ليُثبتا أنهما فوق المصلحة الشخصية، ويتفاعلا بوفاء وحرص وأمانة بما يُبعد أية مُعرقلات في طريق الأسود نحو المونديال.
بعد انتهاء جولة الخميس، تابعتُ أغلب تصريحات مدربي المنتخبات الفائزة، لم يبح جميعهم بتفاؤل كبير، فما زالت المفاجآت ممكنة، وأغلبهم راهن على تحقيق النقاط الكاملة في أية مباراة من دون أن يشغلوا أذهانهم بنتائج مباريات أخر، لكن مالفت انتباهنا هو تصريح الكابتن جمال طه المدير الفني لمنتخب لبنان قبيل فوزه الصعب على سريلانكا أمس السبت، أن (العامل المؤثر يبقى وليد ساعته) فكرة القدم بمفهوم طه وكل العارفين بمكرها، أنها لا تمنح بشائر الفوز بمجّانية مُسبقة عطفاً على كلام مُحلّلين واحصائيات غير دقيقة، وتاريخ غابت عنه معايير التكافؤ وطبول إعلام عاطفي، بل تمنح الفخر كلّه لمن يحترم المنافس ويقدّر الوقت ويمتلك خيارات تحديد مسار شوطي المباراة ليخرج مرفوع الرأس بلا غرور!