TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: في الحاجة إلى مانديلا عراقي

العمود الثامن: في الحاجة إلى مانديلا عراقي

نشر في: 13 يونيو, 2021: 10:18 م

 علي حسين

قبل يومين تذكر العالم الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا بمناسبة مرور سبعة وخمسين عاماً على صدور الحكم عليه بالسجن مدى الحياة، الزعيم والسياسي والمناضل والمتسامح الذي تحول بفضل مواقفه إلى مرايا تعكس لنا صورة عفوية للتحولات الكبرى التي تحدث من حولنا،

لا تزال صورته وهو يبتسم تسرق الأضواء من صور معظم زعماء العالم، ولا تزال جنوب أفريقيا تتذكر زعيمها الذي أصبح في لحظة مهمة من تاريخ بلاده زعيماً تاريخياً، يكفي اسمه فقط ليطمئن كل جنوب أفريقيا بكل ألوانهم وأطيافهم وقومياتهم.

سحر مانديلا العالم بتواضعه، وبعفوه الدائم وبابتسامته السمحة ، عندما ذات يوم، وفي هدوء، أن ينهي سلطة الرجل الأبيض على بلاده السمراء ، وقبل أن يسحر مانديلا رؤساء وملوك العالم كان قد سحر سجانيه البيض الذين ظلوا خلال سنوات سجنه الطويلة يهربون له القهوة والشاي والطعام الخاص بهم.

من منا يتذكر اليوم اسم الرجل الذي قرر أن يودع مانديلا السجن، لقد ظل لوحده الحاضر الوحيد في السلطة وخارجها، سجيناً وحراً، يملأ المدن الكبرى بسلوكه العفوي.

يبدو الحديث عن مانديلا هذه الأيام أشبه بالحديث عن حلم عاشه رجل في زنزانة ضيقة وحين أطلق سراحه عمل جاهداً على المحافظة على بلد متماسك بكل ألوانه، كان الأمر في البداية أشبه بالمستحيل، فالكل يشحذ سكاكينه، والكل يتهيأ لحرب الانتقام، وكان أمام العجوز الذي خرج منهكاً من المعتقل خياران، الأول أن يبدأ حرب الانتقام ضد البيض الذين عذبوه لأكثر من ربع قرن، وحكموا مواطنيه الأفارقة بقوانين تساويهم بالحيوانات، والخيار الثاني أن يحافظ على أمن وسلامة البلاد وروحها، فاختار الطريق الثاني وهو أن لا يلغي مواطنة البيض الذين استقروا في هذا البلد منذ أكثر من ثلاثمائة عام إلى جانب السكان الأصليين ليفاجئ العالم بسياسة اليد الممدودة، وعقاب المخطئين بمحاكمات الاعتراف العلنية لتطهير النفس بديلاً عن الانتقام والقتل، وحين أكمل ولايته الأولى في الحكم عام 1999 قرر أن لا يترشح لدورة ثانية، وذهب ليتقاعد، يطوف البلاد ليُطمئن جميع مواطنيه قائلاً "إذا كان الماضي البغيض لكم، فليكن المستقبل الهانئ لكم ولنا. تعالوا نعمل معاً، سوداً وبيضاً، من أجل أرض واحدة وإنسان واحد".

لعل التجربة السياسية لزعيم جنوب إفريقيا نيلسون مانديلا تستحق من كل الساسة في العالم وأولهم حديثو التجربة في العراق أن يطالعوها، فالرجل الذي أمضى نصف عمره في زنزانة انفرادية، خرج على العالم ليقول أن "الإنسان الحق هو ذلك الذي لا يكرر خطأ الظلم الذي ناضل كي يرفعه".

أتمنى أن ينظر ساستنا إلى صورة الرجل العجوز وهو يبتسم ليتعلموا أن السياسة هي فن المحافظة على الشعوب، لا فن التلاعب بأقدار الناس.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Khalidmuften

    التسامح والعفو بدلا من الانتقام ( مانديلا) . القتل والسلب والنهب والطائفية ديدن حكامنا الاشاوس .

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: عراق الشبيبي وعراق هيثم الجبوري

 علي حسين اظل أكرر واعيد إن أفدح الخسائر التي تعرض لها العراق ان الكثير من مسؤوليه وساسته غابت عنهم الروح الوطنية ، واصبحت كلمة النزاهة مجرد مفردة تلوكها الالسن ويسخر منها اصحاب الشأن...
علي حسين

كلاكيت: السينما عندما توثق تفاصيل المدينة

 علاء المفرجي بغداد والسينما.. المدينة والسينما.. كيف لنا ان نختار شكل العلاقة او ما الذي يمكن ان نكتشف من هذه العلاقة؟ وهل يمكن لبغداد كمدينة ان تنفرد مع السينما فتختلف عن علاقة المدن...
علاء المفرجي

الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!

رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...
رشيد الخيون

قَدْحُ زناد العقل

ابراهيم البليهي حَدَثٌ واحد في حياة الفرد قد يُغَيِّر اتجاهه إذا كان يملك القابلية فيخرج من التحديد إلى التجديد ومن الاتباع إلى الإبداع وعلى سبيل المثال فإن هوارد قاردنر في السبعينات درَس علم النفس...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram