TOP

جريدة المدى > عام > شوبنهاور.. والنظر للحب ميتافيزيقيا

شوبنهاور.. والنظر للحب ميتافيزيقيا

نشر في: 14 يونيو, 2021: 09:35 م

د. رسول محمد رسول

هذا الكتاب هو أحد الكتب الستة التي ألفها الفيلسوف آرثر شوبنهاور(22 فبراير 1788 – 21 سبتمبر 1860) في حياته،

وهو يمثل جزءا لا يتجزأ من كتاب شوبنهاور الكبير (العالم كإرادة وتمثل) الذي ظهر في طبعته الأولى سنة 1818 وتوالت طبعاته في سنوات لاحقة، وهو الفصل الرابع والأربعين من الملاحق التي أضيفت إلى الكتاب الرابع(ص 13). إن مبدأ الإرادة هو المبدأ الميتافيزيقي الأول، والإرادة هي غريزة عمياء لا واعية، ولا تصير واعية إلا في الإنسان بفعل إرادته، وهذا الوعي ليس كلياً إنما هو جزئي.

إن النسْق الشوبنهاوري هو نسق ميتافيزيقي الفلسفة لأن أساسهُ يقوم على مبدأ أول متعال، فهنا تقابل بين (الإرادة) و(العقل)، وهذا الكتاب ظهر منشورا بترجمته العربية في دار الرافدين هذا العام الأول أول مرّة 2021 بترجمة رقيقة نهض بها «جلال العاطي ربي» من المغرب، وتضمّن متن الكتاب تقديمه مقالتان رئيستان هما: «ميتافيزيقا الحب» و»مقالة في النساء»، فما هي محتويات هاتين المقالتين؟

ميتافيزيقا الحب

يعتقد شوبنهاور من «المؤكّد أن كل حالة حب، ومهما كان مظهرها الأثيري الذي تزدان به، لها جذلا متأصل في الغريزة الجنسيةأو لنغلو بالقول إنها ليست شيئا آخر عدا غريزة جنسية محتومة ومحددة بوضوح سلفا، إنها غريزة أكثر تفردا وتميزا» ص (27 – 28).ويعتقد شوبنهاور بأنه من «الصعوبة البالغة أن نبث الحياة في قطعة فنية أو مسرحية دون حب» (ص 32)، ويؤكّد شوبنهاور بأن هذه «الغريزة الجنسية ليست سوى إرادة مطلقة» (ص 32).

ومن «ناحية أخرى ما لحالة الحي غاية تهفو إليها غير ولادة فرد من طبيعة محددة ودليلنا القاطع على ذلك أن الأساسي والجوهري في تلك الحالة العاطفية ليس أن يكون الحب متبادلا إنما التملك بمعنى المتعة الجسدية» (ص 33). وهكذا يعتبر «الحب الخاص والفردي بين عاشقين لا تفسره سوى الفردية الخاصة والحصرية التي تميز كل رجل على حدة» (ص 36)، ويعتقد شوبنهاور بأن «الإرادة تتطلع قبل كل شيء إلى خلق الطبع المميز للجنس البشري كأساس صلب لكل فردية» (ص 38).

وهنا يعتقد الفيلسوف الألماني بأن «الحب الحقيقي الذي يبلغ درجة الهيام هو نادر الوجود» (ص 39). ويعتقد أيضا بأن «حب الرجل سرعان ما يخمد ويستحيل رمادا بمجرّد ما ينطفئ ضرام شهوته» (ص 50). وهنا ميل الفيلسوف الألماني إلى الرجل وقدراته بينما المرأة لا تُنجب سوى طفل واحد في السنة والرجل يستطيع، جراء ممارسة الحب، خلق خمسين طفلا في السنة!! ثم أنه بعد «الجنس والمرض لا شيء أشد بغضا وتنفيرا وإثارة للاشمئزاز من مظهر جسم مشوه الخلقة عليل التركيب» (ص 53). إن الجسم «جميل القوام والبنية يمكن في المقابل أن يسد مسد كل العيوب والنقائص» (ص 53). كما أن «الأقدام تمثل خاصيّة أساسية للنوع» (ص 54). وإن «النساء يفضلن الرجال في سن تتراوح من ثلاثين إلى خمس وثلاثين سنة» (ص 54).

مقالة في النساء

في المقالة التالية يتناول المؤلف شوبنهاور الأفكار الآتية:

1. مصير النساء، أي: حسنهن وجمالهن الزائل، والنضج عندهن ومحدودية ملكة الذكاء عندهن.

2. إنهن بيقين رهينات الحاضر على العكس من جنس الرجال، إنهن مجبولات على الإشفاق والرثاء لحال الآخرين أكثر من انتصارهن للعدالة، الكذب هو وسيلة الدفاع الطبيعة لدرء ضعفهن به.

3. تُسخر مشاعر وعواطف النساء لخدمة مصالح النوع. إن روح التنافس فيهن تأتي من جنوحهن الفريد.

4. إن هذا الجنس لهو، في جوهره، قبيح وبشع ولا يملك أدني إحساس بالجميل. وإذا اصطنع هذا الجنس المنحط تكلفا وتظاهرا بمحبة الفنون فذلك لأن النساء يرغبن في إغواء وإثارة أعجاب الرجل!!

هذه هي أهم محاور المقالة الثانية وأكثرها كثافة في كتاب شوبنهور وهي محور صريح غاية الصراحة أكثر من الفصل الأول كثيرا وجريئا لديه وما موقفه من نقد المرأة سوى موقف واضح ينتمي إلى فلاسفة عصره فميتافيزيقا المرأة هي نقد جذري لوضعية المرأة وحالها مقارنة بالرجل أبداه شوبنهاور بلباقة شاطرة.

ويطيب لي أن أستل كلمة الغلاف الأخيرة هنا ونصها هو:

"يحمل الفيلسوف الألماني عن البشر بعضا من عذاباتهم في هذا الكتاب، إذ يخبرهم بأنهم خاضعون حتى في شأن بالغ الخصوصية مثل الحب، إلى إرادة النوع التي تعني بأن يتناسل الأفراد ويتخلد النوع. ويخبر شوبنهاور الأراد بأنهم مخدوعون بوهم الحب ، شقاؤهم ومعاناتهم مع العاطفة ما هو إلا تلاعب من إرادة تفوقهم، ومساعيهم وراء الحب ما هي إلا حيل النوع على حساب مصائرهم إنها ببساطة عبقرية الجنس في أن يتخفى وراء ستار الحب".

إن هذه الترجمة الآسرة لجميلة وواضحة وضعها المترجم المغربي ، وجهده مشكور عليه كثيراً بسلاسة الأسلوب ورشاقته، كما أن المترجم وإدارة النشر، كلاهما، تشاطرا بإخراج نص فلسفي كان لقرون مغيباً ها هو اليوم متاحا في المكتبة الفلسفية الألمانية والعربية فطوبى لهما على هذا الصنيع.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram