طالب عبد العزيز
بمناسبة وضعنا المضطرب في الامن والسياسة، والتراجع الذي نعاني منه في الحياة، جراء ذلك، بمناسبة مخاوفنا ورعبنا من أن نكون الضحية القادمة، وبمناسبة يئسنا من أي شكل من أشكال التغيير، بعد أن أحكمت القوى المسلحة،
بأشكالها المتعددة قبضتها على رقابنا، نحن الذين نعتقد بأننا قادرين على صنع مستقبل آمن لبلادنا، وبمناسبة مثل هذه أو دون مناسبة أدعو الجميع، كتاباَ وروائيين وشعراء ومثقفين ومواطنين بعامة الى كتابة توثيقية، حرة ويومية، والى تدوين ما يجري ويحدث ويعتمل من حولنا، شريطة تسمية الوقائع بما أنزلت، وكيف كانت، دونما تحرير وتزويق، فما تتناوله الصحافة ووسائل الاعلام الاخرى لا يعني الحقيقة كلها، هناك تاريخ أسود علينا تدوينه كما يجب وبلونه القبيح.
حين كتب سعدي يوسف قصيدته (القرط) قال بما معناه إنَّ قومي العراقيين بلا ذاكرة ثقافية، وحقاً، نحن أمة بلا ذاكرة. ترى ماذا عن الايام السود التي بدد شبابنا بها نظامُ صدام حسين؟ وماذا عن ايام الحرب، كم من الضباط والجنود فينا من دون يومياته عنها، وماذا عن أيام الحصار، التي أكلت لحمنا وأبقتنا عظاما؟ أي عمل ثقافي لا يرقى الى وثيقة مكتوبة بيد جندي جريح، يتحدث فيها عن عمق جرحه وإصابته، وأي قصيدة أو رواية لا يمكن أن تحل بديلاً عن ورقة دوّن فيها أحد الآباء حيرته باستحصال الحليب والخبز والسمن والطبيب.
لنبدأ بأشيائنا الجميلة- إن وجدت- لدينا لحظات ممتعة وجميلة، فلا نبخس حقها في التدوين، لنكتب عن جلسات الخمر والنساء ولنكتب عن الحب كما نتصوره وعشناه، مثلما يكتب بني البشر في قارات أخرى، نكتبها خارج قصدية التحدي والمنابزة والمفاخرة، لنكتب ما نعتقده جميلاً ويدخل في جملة المباهج واقتناص الامل، هي حياتنا ونحن وحدنا من يملك الحق في تحقيقها، ستذهب النضارة، وتسيل المقل وينكمش الجلد وتذبل الاعناق، ولنا يعيدها الزمن ثانية، لذا، علينا اتيانها حقها، بعيداً عن كل ما نعتقده شائناً. كل وثيقة من مثل هذه ستكون ذات قيمة عليا، كل صورة ستدخل التاريخ لتصبح ايقونة. أبعدوا عن أذهانكم توقف الزمن، فهو المتحرك الوحيد فينا.
علينا أن نترك شيئاً لأجيالنا، ولا أقصد الاحداث السياسية والاخبار العامة حسب، إنما أقصد كل ما هو شخصي، لنكتب عن أمزجيتنا وضجرنا وقبولنا ورضانا ورفضنا وذلنا، وعن حيرتنا وعن اللحظات التي عشناها امام ضابط الشرطة، وزعيم العصابة، وبائع الضمير، وحامل المسدس الكاتم، ولندون كلمات الخطيب الذي يحرضنا على بذل دمنا في لحظة اعتزازنا به ، ولنكتب كل ما يضطرب ويمور في حياتنا التقليدية، لنكتب عن ما نحب ونكره ولنسم الاشياء باسمائها، وإن كانت تعرضنا الى الخطر، فلنحتفظ بها في اوراقنا الشخصية، ولا نطلع عليها أحداً، ولتكن خاصتنا، وفي العميق من أسرارنا، وإذا كنا محتشمين ونخشى الفضائح فلندعها بعد موتنا، لتطلع عليها الاجيال القادمة، نريدهم أن يكتشوفننا عراة، كما خلقنا، وكما أرادنا الله ضحايا الى الابد. ستتغير الموازين، وتتبدل القيم، وسيكون متاحا للجميع كل ما هو محرم اليوم. لنتعلم صناعة الحياة. فالعار ليس في ما نكتبه إنما في ما نهمله ونتركه.