علاء المفرجي
- 3 -
نعود في هذا القسم الى الدراما المحلية، فالكثير من المهتمين بالدراما المحلية وأزمتها - إن صح التعبير- يجدون أن السبب الأساس لهذه المشكلة يتعلق بانعدام التمويل، وهي المشكلة التي تعاني منها كل الفنون البصرية بما فيها التشكيل، على اعتبار أن التمويل يذلّل الكثير من صِعاب صنع عمل درامي ويقف على حل كل المشاكل اللوجستية التي يتطلبها العمل الدرامي.. ولكن هنا يبرز سؤال:
هل أن التمويل المادي كفيل بانتاج مادة درامية متكاملة؟ وهل سيرفع كفاءة كل المساهمين بالعمل الدرامي من إخراج وتمثيل وديكور وقضايا فنية؟. أقول: يخطئ من يظن ذلك لأسباب سنقف عليها في ثنايا هذا المقال.
فالمبالغ المليونية التي رصدتها بعض المؤسسات الفنية وغير الفنية لم تكن بنوايا طيبة أو لم تنطلق من الحرص (الخالص) على تطوير الدراما العراقية ، بل من حسابات اقتصادية من صُلب نشاطها، لايغفلها عقل لبيب.. فالخطأ الاول أنها اختارت لجاناً للإشراف عن صرف هذه الأموال بمكانها الصحيح، وكان لعمري ذلك جوهر خطئها، فكان اختيار أعضاء اللجنة جلُهم من الممثلين والمخرجين الذي يعملون بالدراما، وحتى يكون وقع هذا الخطأ أقل ضرراً اشترطت الجهة الممولة عليهم عدم المشاركة في هذه الأعمال بأي شكل كان، فيما مشاركتهم كإشراف على العمل؛ وهنا وقعت بالخطأ الثاني في أن جعلت أعضاء اللجان هؤلاء، وفيهم عدد من الممثلين والمخرجين الجيدين، هم الذين بيدهم تخطي الدراما مأزقها دون الآخرين.
القضية الثانية في التمويل، وهو تمويل الدولة من خلال تولي المؤسسات الفنية المعنية بهذا الأمر، وقبل أن أتحدّث عن هذا الموضوع، أشير الى تجربة شخصية حدثت إلى العبد الفقير تتعلق باختياري لعضوية لجنة شكّلها قسم الدراما في شبكة الإعلام العراقية هدفها البت بصرف مبلغ مرصود لقطاع الدراما للنهوض بواقعه، والتقت اللجنة وكانت بغالب أعضائها من أكاديميين ومؤلفين واختصاصيين آخرين، وكان الحديث متشعباً، بين أعضاء اللجنة لكنه يخلص الى مناقشة قضية بعينها هو كيف السبيل للنهوض بواقع الدراما العراقية؟. وكان أن عرفنا أن الدولة خصصت مبلغاً كبيراً لذلك.. وانتهى الاجتماع على أمل اللقاء قريباً.. ولم نلتقِ حتى كتابة هذه السطور!!، ولم نسمع بمصير اللجنة أو المبلغ الذي تم تخصيصه!!.
المشكلة هنا إن العاملين بالدراما، ما أنفكوا ينتظرون أن يأتيهم الفرج من الدولة، وكأنهم مازالوا يعيشون قبل خمسة عقود، وبانتظار فرج لم يأتِ، فالدولة ممكن أن تكون أحد المساهمين وليست المساهم المطلق، لذا من الخطأ تحميل كل مشاكل تمويل الدراما العراقية على الدولة. فمنافذ التمويل مفتوحة لكن المشكلة تبقى في ثقافة الممول وليس في بسط يده. لكن ذلك لن يتحقق إلا بأن تلمس هذه المنافذ نشاطاً من أهل الدراما، كأن يحدث تغييراً شاملاً في هذه الصنعة يبدأ من اختيار النصوص مروراً بالممثلين الذين يجب أن يتحرروا من (لعنة) الإداء المسرحي الذي مازال يحاصر أداءهم، والمخرجين الذين آن الأوان لأن يتخلوا عن أساليبهم النمطية الى أجواء الابتكار، وهكذا باقي الفنانين والحرفيين في عالم الدراما.
من أولى المشاكل التي تواجهها الدراما المحلية بكافة أنواعها، وهي المشكلة نفسها التي تواجه الدراما العربية ولكن بنسب متفاوتة، هي النص الدرامي الذي يشكّل كما نرى حجر الزاوية في تطوير الدراما المحلية، بوصفه واحداً من أهم الأدوات ذات التأثير على قطاع واسع من المشاهدين.
فالدراما المحلية ارتهنت منذ بداياتها شأنها شأن كل أجناس الإبداع بسلطة الرقيب التي لاتسمح بحرية حقيقية في التعبير التي هي أولى ملامح التفوق في الدراما، والتي تضفي سمة الشجاعة والأمانة في طرح قضايا وهموم الإنسان العراقي.
يتبع