TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: نبوءات لميعة

العمود الثامن: نبوءات لميعة

نشر في: 20 يونيو, 2021: 10:21 م

 علي حسين

شغلت لميعة عباس عمارة الأوساط الثقافية في بغداد وبلاد العرب، لسنوات، فهذه الفتاة التي دخلت دار المعلمين العالية قبل أكثر من سبعة عقود، كانت قد نظمت أولى قصائدها وهي لم تبلغ الثانية عشرة من عمرها، وقررت أن ترسلها إلى شاعر لبنان الكبير أيليا أبو ماضي، قصيدة في حب العراق، وكان أبو ماضي شغوفاً بما كتبت فعلق بعد أن نشر لها القصيدة:

"إن كان في العراق مثل هؤلاء الأطفال فعلى أية نهضة مقبل؟"، ولم يدر بخلد شاعر المهجر أن البلاد التي أنجبت الجواهري والبياتي والسياب ونازك الملائكة ، ستصحو يوماً على أصوات الطائفية وخطابات نبذ الوطنية وإعلاء شأن الذين يتغنون بدول الجوار.. قررت لميعة أن تسحر كل من يلتقي بها، فكان السياب أول من هام بها، فكتب القصائد التي تتغنى بابنة الكرخ الصابئية التي كانت تحلم بعالم من الصفاء والمحبة.

عاشت بغداد زمن لميعة وجواد سليم وناظم الغزالي مدينة تتطلع إلى المستقبل بعيون مفتوحة، كان القادمون إليها من جميع المحافظات، يكتبون الشعر ويغنون، ويعشقون، ويعتقدون أن القصيدة والرواية واللوحة والأغنية ستصنع بلداً يكون ملكاً للجميع، ومجتمعاً آمناً لا تقيد حركته خطب وشعارات خادعة ، عاشت لميعة ، مثلما عاش السياب، أسيرة لأحلامها، تتنقل في بلدان الغربة تكتب القصائد التي تتغزل ببلاد تُنكر أبناءها لأنهم لا يمارسون الطائفية، ولا يطالبون بتقاسم الكعكة، ولايؤمنون بالتوازن في القتل والنهب، وتقرأ لميعة بصوتها الدافئ حنينها إلى بغداد: "بغداد.. عمري انكظه.. والبعد ما ينعاد.. عمري اليجي ويسوه.. بعد وياك ما ينعاد".. ستحلم لميعة مثل السياب بعراق أوسع ما يكون لكنه سيصبح أبعد مايكون، وكانت مثل شاعر غريب على الخليج ، تتمنى أن تمسك العراق بيديها، إلآ انها ستكتشف في النهاية أن الأحلام، وبغداد، أبعد ما تكون.. وأن البحار والمدن ستكون دونك ياعراق.

رحلت لميعة عباس عمارة عن عالمنا بعد أن أثقل الحنين حياتها، اختبأت وراء جدران الغربة، لكن قصائدها ظلت تطل علينا توزع الحب والأمل وتحيي الشجن في القلوب، ولم تكن تتوقع أن قصيدتها لو أنبأني العراف ستكون نبوءة لكل العراقيين:

لو أنبأني العراف ..

أني سألاقيك بهذا التيه

لم أبك لشيء في الدنيا

وجمعتُ دموعي.. كل الدمع

ليوم قد تهجرني فيه.

اليوم أيتها الشاعرة نحن مثلك جمعنا كل الدموع ليوم يراد لنا فيه أن نعيش غرباء في مدينتنا التي احتلها اللصوص،

ستعرف الأجيال أن في هذه البلاد عاشت امرأة عراقية كانت جريئة ومحبة سيكتب لها ولذكراها البقاء.. في وقت تمر على العراق هياكل سيكون مصيرها الزوال حتما. من سيبقى من العراق، هلوسات الجعفري وتأتأة علاوي أم كلمات لميعة عباس عمارة وصوت الجواهري وأنين السياب؟.. اصوات علمتنا قيمة الحياة، وأهمية الوطن.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: عراق الشبيبي وعراق هيثم الجبوري

 علي حسين اظل أكرر واعيد إن أفدح الخسائر التي تعرض لها العراق ان الكثير من مسؤوليه وساسته غابت عنهم الروح الوطنية ، واصبحت كلمة النزاهة مجرد مفردة تلوكها الالسن ويسخر منها اصحاب الشأن...
علي حسين

كلاكيت: السينما عندما توثق تفاصيل المدينة

 علاء المفرجي بغداد والسينما.. المدينة والسينما.. كيف لنا ان نختار شكل العلاقة او ما الذي يمكن ان نكتشف من هذه العلاقة؟ وهل يمكن لبغداد كمدينة ان تنفرد مع السينما فتختلف عن علاقة المدن...
علاء المفرجي

الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!

رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...
رشيد الخيون

قَدْحُ زناد العقل

ابراهيم البليهي حَدَثٌ واحد في حياة الفرد قد يُغَيِّر اتجاهه إذا كان يملك القابلية فيخرج من التحديد إلى التجديد ومن الاتباع إلى الإبداع وعلى سبيل المثال فإن هوارد قاردنر في السبعينات درَس علم النفس...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram