مواطنون: ليست هناك عملية إعادة إعمار
ترجمة / حامد أحمد
منذ اعلان تحرير الموصل من سيطرة داعش وانتهاء العمليات العسكرية فيها عام 2017 ما تزال أحياء واسعة منها وخصوصا في المدينة القديمة قد سويت مع الأرض مع تراكم الأنقاض التي تتخللها عبوات وجثث مطمورة تحتها تؤرق أهالي الموصل الذين يشكون غياب اهتمام حكومي مع تلكؤ وبطء في جهود إعادة الإعمار.
ابنية ومعالم تاريخية وجوامع وكنائس يعود تاريخها لقرون عديدة قد تم تدميرها خلال فترة وجيزة من قبل تنظيم داعش الإرهابي، المعركة ضد الإرهاب كلفت مدينة الموصل آلاف الأرواح محولة المدينة القديمة فيها الى أنقاض جراء القصف والقنابل. بعد أربع سنوات على تحرير الموصل ماتزال الأنقاض تجثو على احياء المدينة القديمة ولا يعلم عدد الجثث المطمورة تحتها. جزء من المدينة بدأ بالرجوع ليقف على قدميه مرة أخرى مع تركيز العمل على المواقع التاريخية للمدينة القديمة. مجمع جامع النوري تتم الان إعادة اعماره فضلا عن الساحة المجاورة التي تضم أربع كنائس قديمة، وهو شيء يذكر بان الموصل كانت معروفة بالملاذ الآمن للتعايش السلمي بين الطوائف الدينية المختلفة. أهالي الموصل يعملون مع منظمة اليونسكو للحفاظ على المواقع التاريخية ويقومون ببذل كل ما يستطيعون لاسترجاع تراثهم وألق مدينتهم السابق وقاموا بتجميع ما يقارب من 3000 قطعة صخرية اصلية من أنقاض كنيسة الطاهرة الاثرية ليتم استخدامها في إعادة اعمارها.
عماد عبد الاحد، مشرف على الموقع ويعمل بالتنسيق مع منظمة اليونسكو لإعادة اعمار الكنيسة، يقول "استخدم داعش هذه الكنيسة كمقر لشرطة الحسبة محولين الكنيسة لمقر اعتقال وسجن. لقد حظيت الكنيسة بزيارة البابا فرانسيس ونأمل ان يعود الاستقرار والامن للمسيحيين هنا وان لا يتم اضطهادهم مرة اخرى".
على مقربة من هذه الزاوية هناك سوق في المدينة القديمة بدأت تدب الحياة فيه من جديد. محمد أبو سعد كانت لديه قهوة في هذا السوق منذ عقد من الزمن، وبينما بدأت الضجة ترجع لأزقة السوق، فان له زبائن أيضا يرتادون المقهى رغم ان الوضع الاقتصادي للناس ليس كما كان سابقا ويعاني الضعف.
يقول أبو سعد "الحمد لله رجع السوق مرة أخرى، وهو يتحسن خطوة بخطوة. في وقت ما سيرجع كما كان في السابق. ولكن الناس والأهالي يعانون قلة القوة الشرائية لتراجع دخلهم، ولهذا نحتاج الى وقت".
على بعد خطوات من السوق تمكن مشاهدة الدمار والأنقاض المتراكمة في المدينة القديمة، أهالي متذمرون يقولون إن السلطات جاءت لرفع بعض الأنقاض من شوارع المدينة القديمة للتهيئة لزيارة البابا، ولكن بعد مغادرة البابا لم يعد هناك أي اهتمام بعد.
عماد عبد الله، يعمل نادلا في مطعم، غادر هو وعائلته مسكنهم في المدينة القديمة عند دخول داعش الموصل، وجاء بعد التحرير ليرى بيته والحي الذي يسكن فيه قد تحول الى خراب.
يقول عبد الله "ليست هناك اعمال إعادة اعمار في الموصل، انها وعود فقط. يدعون بأنهم سيقومون بإعادة الاعمار ولكن لم يحصل شيء من هذا القبيل".
ويضيف قائلا "ابني يرتعب من العودة لحينا السكني بعد رؤيته للدمار الذي لحق بالبيت، لهذا انا اعمل لمدة 15 ساعة يوميا في مطعم لتسديد مبلغ إيجار بيت صغير شرقي الموصل في سبيل الحفاظ على ابني من أن يتضرر نفسيا".
المدينة القديمة عانت من أقسى حوادث الدمار التي شهدتها الموصل اثناء عمليات التحرير. الكثير من أهالي المدينة يرددون نفس العبارات التي تشير الى غياب عمليات إعادة الاعمار.
ليث هاشم عبد الله، من أهالي المدينة القديمة الذين بقوا فيها وعاشوا حالة الحصار حيث تعرضوا للمجاعة، ما يزال يعيش في المدينة القديمة بعد ان قامت منظمة خيرية غير حكومية بمساعدته في إعادة اعمار بيته وعودته اليه منذ ثلاث سنوات، وهو يعيش الآن وسط انقاض المدينة.
يقول عبد الله "الدمار والانقاض حصل نتيجة المعارك والضربات الجوية وقصف الهاونات والقنابل، وما تزال هناك جثث مدفونة تحت الأنقاض. انا أخرجت بعض الجثث بنفسي. لم يتغير شيء منذ رجوعي للمدينة، اما بعض الأنشطة التي تجري الآن فهي من قبل منظمات خيرية واشخاص محليين".
وأضاف قائلا "لقد مضت أربع سنوات منذ تحرر المدينة، أربع سنوات منذ طرد مسلحي داعش منها ولم تأت الحكومة هنا لتسأل عنا. نحن مستاؤون وغاضبون جدا إزاء الحكومة، هذا شيء مخجل". إعادة الاعمار هي من بين كثير من تحديات أخرى تواجهها المدينة بعد تحريرها من داعش، فقد خلف التنظيم الإرهابي وراءه ارثا مميتا من الألغام والعبوات الناسفة التي تعتقد الأمم المتحدة بان الامر قد يستغرق عقدا من الزمن لإزالة وابطال مفعول جميع العبوات التي زرعها وتركها التنظيم وراءه. واين لوماكس، خبير إزالة الغام دولي يعمل على تدريب كادر محلي في كيفية إزالة الألغام، يقول "يتم هنا انتشال وازالة كثير من العبوات الناسفة والالغام، وما تزال البطاريات تعمل داخلها. تنظيم داعش كان يتقن صناعة العبوات الناسفة".
عوائل عادت لمناطقها تعرضت لحوادث قطع أطراف وموت جراء عبوات مخبأة تحت الأنقاض بينما كانوا يرفعون قسما من الأحجار في منازلهم المحطمة.
مخلفات الحرب من العبوات والمتفجرات غير المنفلقة متواجدة في كل مكان من المدينة. مستشفى الشفاء، الذي كان يعتبر ثاني أهم مستشفى متطور في الموصل، استغرق فريق الأمم المتحدة لإزالة الألغام مدة 18 شهرا لإزالة مئات من العبوات الناسفة كانت مزروعة ومتروكة في موقع واحد وهو هذا المستشفى. بيهر لادهامر، خبير إزالة الغام من منظمة يونماس، يقول عن العبوات الناسفة المنتشرة بين انقاض مدينة الموصل "انه عدو لن ينام ابدا. سيبقى هذا الخطر متواجدا هناك لحين ما يأتي أحد ويعمل على ازالته".
• عن موقع PBS الأميركي