علي حسين
عندما غاب الفيلسوف الفرنسي الشهير قبل واحد وأربعين عاماً، كان قد ترك وراءه سيرة مثيرة، شعارها أن المثقف وحده القادر على صناعة الرأي العام والتأثير في المجتمع. في كل مرة أعود فيها إلى سارتر أسأل نفسي: من هو هذا الإنسان؟
هل هو المفكر الملتزم أم البوهيمي الذي قضى حياته يتنقل من مقهى إلى مقهى، أم المناضل السياسي الذي دافع بشراسة عن الجزائر وكوبا وفيتنام؟ هل هو الفيلسوف الذي كتب أصعب المؤلفات وأعقدها "الكينونة والعدم" أم كاتب المسرحيات التي حظيت بإقبال جماهيري كبير؟.. وفي كل هذه العناوين كانت صورته وهو يقف فوق برميل يوزع المنشورات المناهضة لحكومة الجنرال ديغول هي التي تؤكد لنا من هو المثقف ؟ .. تذكرت هذه الصورة وأنا أتابع قضية السيدة أم إيهاب الوزني، وصورتها وهي تقف تحت الشمس وحيدة، وسألت بعض الأصدقاء أين منظمات المجتمع المدني؟، ما هو دور النقابات والاتحادات التي تضم آلاف من الرافعين راية الثقافة وحقوق الانسان وحرية الرأي ؟، لماذا لم تبادر هذه المنظمات وتذهب للتضامن مع هذه السيدة، لكي يعرف المسؤول أن هناك مثقفين عراقيين بإمكانهم صناعة رأي عام؟. سيقول البعض يارجل هذه دكاكين وليست منظمات ، للاسف منذ سنوات وهذه المنظمات وشغلها الشاغل هو الحصول على المنح ، والتقرب من اصحاب القرار .
حاول سارتر في كتابه "دفاعاً عن المثقفين"، الذي صدر عام 1965، أن يعطي تعريفاً للمثقف: " إن ما يجعل من فردٍ ما مثقفاً هو قدرته على تجاوز الحقل الضيق لاختصاصه، المثقف هو الشخص الذي يتدخل في ما لا يعنيه، ويمتلك القدرة على الجهر بالحقيقة".
أتذكر سارتر وأنا أرى صمت هذه المنظمات ، التي تُمني النفس أن تبادر الحكومة إلى إعادة منحة المثقفين ، والتي لا تتجاوز قيمتها المئة ألف دينار شهرياً، في الوقت الذي نهب فيه "ساسة الصدفة" ما يقارب التريليون دولار عداً ونقداً. ففي الوقت الذي تسعى فيه الأحزاب الحاكمة إلى إشاعة ثقافة الجهل والخراب، يسعى الذين يَحسبون أنفسهم على خانة الثقافة إلى مغازلة المسؤول من أجل الحصول على عطاياه، إن كانت منحة، أو وظيفة، أو سفرة، أو حتى، مجرد وليمة دسمة. اختصار هذه المنظمات هي شكل من اشكال الفساد الذي نما وترعرع برعاية النظام السياسي
نقرأ سارتر فنرى كيف تتقدم الأمم ونحن قعود. وإذا قمنا فلكي نقاتل بعضنا البعض. دائماً محملين بأطنان من الأكاذيب وأكوام من الخطب. ولا شيء سوى السبات في الجهل والتخلّف والطائفية .
دائما اعود إلى فيلسوف الوجودية لأجده يخبرنا أن الخطر الحقيقي الذي يطيح بالبلدان هو توطأ المثقف ومحاولة بيعه للناس أمجاداً زائفة .
جميع التعليقات 1
ماهر
أين نقابة الصحفيين واتحاد الصحفيين واتحاد الادباء المعبر عن صوت المثقفين؟