TOP

جريدة المدى > محليات > القطاع الصناعي في واسط: من مصانع مزدهرة إلى هياكل تآكلها الصدأ

القطاع الصناعي في واسط: من مصانع مزدهرة إلى هياكل تآكلها الصدأ

نشر في: 26 يونيو, 2021: 09:56 م

 واسط / جبار بچاي

ما بين معدات أكلها الصدأ وأصابها اندثار كبير وداره الصغيرة التي بالكاد تكفي لأفراد اسرته الثمانية، تتوزع نظرات الستيني،

أبو صباح الذي قضى أكثـر من 35 عاماً يعمل في معمل إنتاج مستحضرات عرق السوس، أحد أهم معامل وزارة الصناعة بمحافظة واسط التي بيعت الى القطاع الخاص. وإذ يرقب بحرقة قلب معدات المعمل الذي توقف عن الانتاج عام 2018 بعد بيعه الى القطاع الخاص عام 1991، يرى أبو صباح مستقبله مجهولاً ومعه أكثر من مئة عامل وفني آخر تم تسريحهم بعد توقف المعمل لأسباب مختلفة كما يقول.

يقع معمل عرق السوق في قضاء العزيزية بمحافظة واسط، وهو معمل شيده الألمان في سبعينيات القرن الماضي ليكون إنموذجا لمعامل وزارة الصناعة ويختص بانتاج مستخلص عرق السوس الذي يدخل في العديد من الصناعات المهمة مثل الصناعات الدوائية ومستحضرات التجميل إضافة الى المطيبات الغذائية المتنوعة وتبلغ طاقته الانتاجية 2 طن في اليوم الواحد من مستخلص عرق السوق.

ليس هذا المعمل وحده يعاني الاهمال واندثار معداته وأصبح عديم الجدوى، بل هناك العديد من المعامل الأخرى في محافظة واسط مرت بذات الظروف وأصبحت مجرد هياكل وحديد سكراب؛ وهناك آلاف العمال والموظفين الذي إما أحيلوا الى التقاعد أو نقلوا مرغمين الى وزارات أخرى مثل معامل الطابوق ومعمل معجون ومعلبات النعمانية إضافة الى عدد آخر من المعامل الصناعية ورافق ذلك أيضا تدهور في المعامل التي تعود للقطاع الخاص نتيجة الاهمال الحكومي وقلة الدعم.

ووفق متخصصين في القطاع الصناعي بالمحافظة فان القطاع الصناعي بشقيه الحكومي والخاص مازال يكافح للمحافظة على هويته في ظل غياب الدعم الحكومي، وفيما أصيبت معظم المشاريع الصناعية في المحافظة بالشلل التام وتوقف معظمها كلياً، يرى عدد من الناشطين أن إهمال القطاع الصناعي في البلاد أمر مقصود ويهدف الى تدمير الصناعة الوطنية والعمل على تشجيع مصانع دول الجوار ودعمها على حساب الصناعة الوطنية التي باتت مهملة تماماً.

مشاريع صناعية مصابة بالشلل

يقول النائب الأول للمحافظ رشيد عيدان البديري، إنه "بالنظر الى الخارطة الصناعية في محافظة واسط فان شركة واسط العامة للصناعات النسيجية تعد المنشأة الاهم، وتضم قرابة خمسة آلاف موظف، وهناك معامل ومصانع بيعت للقطاع الخاص ولم تستثمر، منها معمل طابوق الكوت ومعمل طابوق الصويرة ومعمل التعليب في النعمانية ومعمل فانيلات الحي ومعمل عرق السوس في قضاء العزيزية". وأضاف أن " هذه المعامل جميعها مصابة بالشلل التام باستثناء شركة واسط التي لا تزال تعمل بالممكن لعدم تقديم الدعم الحكومي المناسب لها."

وذكر أن "هناك العشرات من المعامل والمصانع العائدة للقطاع الخاص تعمل حاليا ومنها معامل الطابوق الاهلية وغيرها من المعامل والمصانع الاخرى فقد باتت أيضا مهددة بالتوقف نتيجة ضعف الدعم الحكومي وركود السوق وتذبذب حركة العمل في المحافظة لأسباب كثيرة ومتعددة".

ويكشف قائممقام قضاء العزيزية محمد رضا عليوي أن "معمل عرق السوق الذي شيد في سبعينيات القرن الماضي يعد من أهم المعامل ليس على مستوى البلاد، بل على مستوى الشرق الأوسط كونه متخصص بانتاج مستخلص عرق السوق الذي يدخل في العديد من الصناعات المهمة منها الصناعات الدوائية وصناعة مستحضرات التجميل إضافة الى المطيبات الغذائية".

وأضاف أن "قسما من انتاج هذا المعمل كان يصدر الى عدة دول ومنها المانيا التي كانت تحصل على مستخلص عرق السوق الذي ينتج على هيئة باودر، وكان المصنع يعد إنموذجا في المعامل الصناعية ويدار من قبل كوادر عراقية متخصصة ومدربة بشكل جيد".

لافتا الى أن "معمل عرق السوق حاله كحال العديد من المعامل الصناعية التي بيعت في زمن النظام السابق الى القطاع الخاص في تسعينيات القرن الماضي ما أدى الى حصول تلكؤ فيه وتدهور وصل الى حد ايقافه عام 2018 ولحد الآن ورافق ذلك تسريح المئات من العاملين فيه".

35 عاماً.. النتيجة أمام السكراب

من جانبه يقول أبو صباح، أحد العاملين في هذا المعمل "قضيت أكثر من 35 عاماً، أعمل هنا في معمل عرق السوس في العزيزية يوم كانت رائحة مستخلص السوس تملأ الأفق نتيجة كميات الانتاج التي كانت تصل الى طنين في اليوم الواحد من مستخلص السوس وهي كمية كبيرة جدا كانت تسد حاجة السوق المحلية حيث يتم تسويق الانتاج الى عدد آخر من معامل وزارة الصناعة وأيضا معامل القطاع الخاص كون المنتج يدخل في الصناعات الدوائية وكذلك في صناعة مستحضرات التجميل إضافة الى دخوله في صناعة أنواع عديدة من المطيبات الغذائية".

وأوضح أن "قسماً من الانتاج كان يصدر الى خارج العراق في وقت وفر المصنع العديد من فرص العمل ليس للعاملين فيه بل لعدد من الفلاحين الذين أخذوا يزرعون السوس في المناطق القريبة وتسويق الانتاج الى المعمل ليقوم بدوره بانتاج مستخلص السوق على هيئة باودر وعصائر".

ولفت الى أن "وضع العاملين فيه حاليا لا يسر كونهم أصبحوا بلا عمل بعد أن تم إيقافه عام 2018 من قبل الشخص الذي اشتراه من وزارة الصناعة لأسباب مختلفة، فأصبح الآن مجرد ركام من الحديد أكله الصدأ وأصابه اندثار كبير ولا أمل في عودته الى الانتاج بسبب الاضرار الكبيرة التي حصلت فيه".

وأضاف "لا سبيل لنا سوى أن نقف يومياً أمام سكراب المعمل نندب حظنا العاثر ونلعن الحكومات التي تسببت بتدهور صناعتنا الوطنية".

معملان للطابوق بلا إنتاج

من جانبه يقول أنور عبدالله، أحد العاملين في معمل طابوق الصويرة الحكومي إن "هذا المعل الذي كان واحداً من أهم المعامل المتخصصة بصناعة الطابوق المثقوب ويسد حاجة واسط وقسم من المحافظات المجاورة أصبح الآن مجرد كومة أنقاض وهياكل صدئة بعد أن تم بيعه في السابق الى القطاع الخاص".

ويضيف "ليس هذا المعل وحده، بل كان هناك معمل طابوق واسط في مدينة الكوت الذي يقع على طريق كوت عمارة، وكان متخصصا ايضا بانتاج الطابوق الفني بمواصفات فنية نموذجية لكنه بيع أيضا في زمن النظام السابق الى القطاع الخاص الذي لم يستثمره بشكل صحيح، بل تم ايقافه وتسريح المئات من العاملين في كلا المعلمين أو نقلهم الى دوائر أخرى". من جانبه، يرى الناشط جلال الشاطئ أن "الحكومات التي تعاقبت على البلد بعد عام 2003 أهملت القطاع الصناعي عن عمد بهدف تشجيع مصانع دول الجوار لضخ منتجاتها الى البلاد حتى وإن كانت رديئة".

وأضاف "هناك تعمد واضح في محاربة القطاع الصناعي الوطني وعدم دعمه وهذا الامر نرفضه جملة وتفصيلا، بل العكس نريد لصناعتنا أن تنهض من جديد وتعود الى سابق عهدها وفي مختلف المجالات كونها صناعة رصينة مع وجود خبرات وطنية قادرة على العطاء والابداع وخلق عناصر المنافسة مع الصناعات المماثلة المستوردة".

المصانع الأهلية.. عناوين فقيرة

يضيف الشاطئ أن "هناك المئات من المصانع الاهلية المختلفة في محافظة واسط لكنها في الواقع مجرد عناوين وأسماء مصانع فقيرة تواجه التوقف، بل أن أغلبها متوقف فعلاً".

وأضاف أن "القطاع الصناعي الخاص له مشاكله وتداعياته التي أفرزها الواقع الاقتصادي للبلاد وعدم وجود رؤية حقيقية تدعم تلك المصانع".

لافتاً الى أن "القطاع الصناعي الخاص من المفترض أن نعول عليه في الوقت الحاضر لكن للأسف أنه مهدد بخطر التوقف لأسباب عديدة أهمها عدم جدية الحكومة في توفير الدعم الكافي للصناعة المحلية سواء كانت حكومية أم تابعة للقطاع الخاص".

دعم الصناعة الوطنية

يقول نائب محافظ واسط رشيد البديري "إننا كحكومة محلية حريصون كل الحرص على دعم الصناعة الوطنية لذا نطالب وزارات الدفاع والداخلية والصحة بالتعاقد المباشر مع شركة واسط العامة للصناعات النسيجية لتجهيز هذه الوزارات باحتياجاتها من الملابس والتجهيزات المدنية المختلفة".

وأضاف أن "جميع منتجات هذه الشركة تتميز بالجودة العالية وحاصلة على شهادة الجودة العالمية وهي تضاهي مثيلاتها المستوردة من مختلف البلدان بل أنها تتفوق عليها أحياناً من حيث النوعية والأسعار الزهيدة".

موضحاً أن "مصانع نسيج وحياكة واسط تعاني الحيف والغبن لعدم حصولها على الاموال الكافية لشراء المواد الاولية وتحويلها من التمويل الذاتي الى التمويل العام بعد الضرر الكبير الذي لحق بها".

وحث البديري وزارة الصناعة على التفكير بجدية لاستثمار مصانع الشركة والأيدي العاملة فيها لما تمتلكه من خبرة متراكمة وتوفير الدعم الكافي لها كي تنهض من جديد بعد السبات الذي أصابها جراء السياسات الصناعية الخاطئة في الفترات السابقة إضافة الى إعادة الروح الى المصانع الاخرى ومنها مصنع عرق السوس في قضاء العزيزية الذي يعتبر واحداً من أهم المصانع في البلاد قبل بيعه الى القطاع الخاص".

ويقول الخبير الاقتصادي عبد الهادي طعمة، إن "الجهات الاقتصادية في المحافظة توجه الدعوة لكافة دوائر ومؤسسات القطاع الحكومي وكذلك المواطنين للتوجه الى الصناعة الوطنية عند الاحتياج والشراء من معارض وزارة الصناعة المختلفة".

وأضاف أن "المنتجات الوطنية من الالبسة المختلفة والانسجة وغيرها على سبيل المثال منتجات شركة واسط العامة للصناعات النسيجية تتميز بمواصفاتها العالية وحصولها على شهادة الجودة العالمية وبذلك تضاهي مثيلاتها المستوردة". وشدد "على أهمية وضع ضوابط صارمة لقضية الاستيراد العشوائي ومنع إغراق السوق المحلية بمختلف البضائع ومن مناسئ متعددة دون الاخذ بالنوعية مما جعل الصناعة الوطنية في حالة ركود". يذكر أن الحكومة المحلية في واسط سبق وأن طرحت العديد من الفرص الاستثمارية في القطاع الصناعي بمختلف فروعه وبالذات في مجال الصناعات الانشائية كون المحافظة وخاصة الاجزاء الشرقية منها تحتوي على كميات هائلة من الخامات الكلسية لكن الى الآن لم يتم الاستثمار الجدي في هذا القطاع وغيره من القطاعات الصناعية الاخرى.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

ذي قار.. التضييق على حرية التعبير يطال ناشطات والأوساط المجتمعية تستهجن
محليات

ذي قار.. التضييق على حرية التعبير يطال ناشطات والأوساط المجتمعية تستهجن

 صدور أوامر قبض واستخدام المداهمات الأمنية للقبض على ناشطين عبروا عن آرائهم في مواقع التواصل ذي قار / حسين العامل أعربت أوساط مجتمعية في ذي قار عن استهجانها من استخدام أسلوب المداهمات الأمنية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram