حازم مبيضين أي مشهد عبثي ومأساوي في آن معاً يطالع الإنسان عند مدخل قرية الشيخ سعد في القدس المحتلة، حيث نصبت إشارة مرور ضوئية على الحاجز العسكري الإسرائيلي، ويافطة تقول أن السفر مسموح باللون الأخضر،
لكن لون تلك الشارة يظل أحمر دائماً، ليذكر سكان القرية بحقيقة حياتهم الرازحة تحت ثقل الظلم والذل والهوان، حيث تتجبر الآلة العسكرية المحتلة، فتمنع العبور حتى على المرضى، أما الموتى فلا يسمح بمرور جنازاتهم للدفن بدون إبراز شهادة وفاة، فهل يتصور أحدكم كيف سيكون شعوره لو أضطر للوقوف عند إشارة ضوء تستمر حمراء اللون لمدة ساعة واحدة، فكيف إن كنا نتحدث عن استمرار لونها الأحمر، أياما وأسابيع وشهوراً وسنوات والواقفون عندها سكان قرية كاملة. محاولات إذلال قرية الشيخ سعد لا تتوقف أو تنتهي عند الإشارة الضوئية الحمراء، وهي تتجاوز ذلك إلى جدار الفصل العنصري، الذي يسلخها عن محيطها الطبيعي مع قرية جبل المكبر المجاورة، فتجد نفسها عالقة بين جدار عازل غرباً وواد سحيق شرقاً، ولا يسمح بخروج أو دخول السكان بواسطة المركبات من الحاجز العسكري، ولا يسمح للمشاة إلا من حملة هوية القدس الزرقاء بالتنقل مشيا على الأقدام، خلافا لقرار المحكمة العليا الذي نص على السماح للسكان بالدخول والخروج، وهل يتصور واحد منكم حجم القهر الذي يمور في ذات شيخ ممنوع من زيارة أولاده الذين يعيشون في قرية يراها بعينه، ويعرف أن واحداً منهم مريض يتعالج في المستشفى، فيشعر وهو على حق بذلك بأن أوصاله تقطعت فلا هو مع الشرق ولا مع الغرب، وباختصار يشعر بحالة فقدان التوازن.في قرية الشيخ سعد الفلسطينية المحاصرة بالعسكر والإشارة الحمراء المذلة، يعيش حوالي ثلاثة آلاف إنسان، مقسمون بمشيئة الاحتلال إلى نصفين، يحمل الأول بطاقات هوية الضفة، والنصف الآخر هويات القدس الزرقاء، ويدفعون ضريبة أملاك لبلدية القدس، والمؤكد أن هذا ليس العدد الحقيقي لسكان القرية، فقد رحل ربع سكانها خلال السنوات الخمس الأخيرة بعد عزلها بجدار الفصل العنصري، وخنقها اقتصادياً واجتماعياً، وصولاً إلى منع عمال شبكة الكهرباء من استعمال سياراتهم، وإجبارهم على التنقل في محيطها مشيا على الأقدام لإصلاح الأعطال الكهربائية في قرية تعطلت فيها كل أشكال الحياة منذ سنوات، وبات سكانها رهائن ليس لسطوة جنود الاحتلال وغطرستهم وعنجهيتهم وصلافتهم فحسب، وإنما لإشارة ضوئية صماء توقفت عند منعهم من المرور وهي مستمرة بمجابهتم بلونها الأحمر المقيت.الإشارة الضوئية الحمراء عند مدخل القرية، ليست فقط الدليل الاكبر على استمرار السياسة الإسرائيلية الاستيطانية في القدس، وإنما هي صرخة في وجه العالم المتحضر، تؤكد حجم العنصرية الحاقدة التي يتعامل بها قادة الدولة العبرية مع الفلسطينيين، ليس فقط على يد حكومة نتنياهو التي لا تخجل من إبراز وجهها العنصري المتطرف، وإنما على يد من سبقوه، وإن كانوا يتشدقون بالحديث عن السلام، وهي المثال الحي والصارخ والقبيح على فنون الإذلال والقمع العنصري، وهي الاشد قسوة بفانتازيتها السوداء التي ابتكرها الفكر الصهيوني المتطرف ليعامل بها الاغيار الذين يعتبرهم جميعاً أعداء أقل منه مرتبة ولا يستحقون غير الاحتقار والتنكيل بهم كلما كان ذلك ممكناً أو مفيداً لسياساته.نضطر للتوقف أحيانا عند إشارة المرور الحمراء لفترة زمنية لا تزيد عن الدقيقة، فنتأفف وقد نثور ونلجأ إلى زوامير سياراتنا، فنطلقها بشكل مستمر بمجرد تحول الإشارة الى اللون الأخضر، مستعجلين تحرك بقية السيارات، بالرغم من أننا قد نكون في طريقنا إلى فنجان قهوة عند صديق، أو عائدين إلى بيوتنا، لكن أهالي قرية الشيخ سعد الفلسطينية المحتلة يواصلون مواجهة الإشارة الإسرائيلية بصبر المجاهدين، مؤكدين إصرارهم على التمسك بأرضهم حتى لو اصطبغت كلها باللون الأحمر.
خارج الحدود ..الفلسطينيون وإشارة المرور الحمراء
نشر في: 28 مايو, 2010: 05:28 م