عبدالله السكوتيوهذه كناية بغدادية عن الرشوة، والسير قطعة مستطيلة من الجلد، وللبغداديين كنايات عدة عن الرشوة ؛ مثل البرطيل، وأكل الدجاج وغيرهما وفي الرشوة قال الشاعر:لنا في الكاظمين أخ رؤوف أطال الفكر في طلب المعاشفلم يحسن سوى تصريف فعل رشى يرشو رشاوى فهو راشي
وعرف لسان العرب الرشوة بأنها الجُعل، وعرّفها ابن الاثير بأنها الوصلة الى الحاجة بالمصانعة، وان اصلها من الرشاء، وهو الحبل الذي يتوصل به الى الماء، وفي التعريفات للجرجاني ان الرشوة تعطى لإبطال حق او لإحقاق باطل ويورد عبود الشالجي في كتابه موسوعة الكنايات العامية البغدادية ان خير تعريف للرشوة ماورد في القوانين الجزائية، بانها مايدفع للموظف من اجل ان يقوم او ان يمتنع عن القيام بعمل من اعمال وظيفته ؛ ويحكى في هذا ان يحيى البرمكي ركب يوما مع هارون الرشيد، فرأى في طريقه أحمالا، فسأل عنها فقيل هذه هدايا خراسان بعث بها علي بن عيسى بن ماهان، وكان ابن ماهان قد ولي خراسان بعد الفضل بن يحيى، فقال الرشيد ليحيى: أين كانت هذه الاحمال في ولاية ابنك؟ فقال:كانت في بيوت اصحابها فسكت هارون، وهذه القصة تحيلنا الى قصة اخرى حدثت ايام العثمانيين وكانت الدولة حينذاك قد استقدمت قضاتها الى حلف اليمين لالتزام جادة الصواب وان يمتنعوا عن أخذ الرشى، وكان من قصة احد القضاة من الذين أقسموا بعدم أخذ الرشوة، فلما جاءه بعد حلف اليمين احدهم وقدم اليه مئة ليرة من الذهب رشوة فقال له: أضف اليها عشر ليرات من اجل كفارة اليمين الذي حلفته!وفي هذا المجال الكثير من المد التاريخي الذي يوثق ان الرشوة قديمة في العراق ودواوين المرافق أي دواوين الرشى منتشرة في العصر العباسي حتى قال ابن سكرة الهاشمي في ابي السائب قاضي القضاة ببغداد:ان شئت أن تبصر اعجوبة/ من جور احكام ابي السائبفاعمد من الليل الى صرّة / ودبّر الامر مع الحاجبحتى ترى مروان يقضى له على عليّ بن ابي طالبوقال المؤرخ التركي جودت باشا في حوادث السنة 1200: ان وظيفة المحصل في حلب من اهم المناصب وهي مطمح انظار مأموري الدولة، وكان هؤلاء المأمورون يتعاطون كل وسيلة ويبذلون كل غال ورخيص في سبيل الحصول على هذه الوظيفة لأنها كانت تعود عليهم بمال جزيل وثروة طائلة، ينالون بسببها بعد رجوعهم الى الاستانة رتبة الوزارة، وفي هذا ايضا يحكى ان اثنين تخاصما في حمار كل يدعي انه له، فكان ان ارتشى القاضي من طرفي الدعوى، فحكم ببيع الحمار موضوع النزاع، وقسّم ثمنه بين الاثنين، فناب كل واحد منهما مقدار مادفعه للقاضي من رشوة، وعندها تقدّم المتداعيان الى القاضي وقالا له: لقد صح ياسيدنا ان الحمار لايعود لواحد منا وإنما يعود كله لك.هذه إلمامة تاريخية عن جذور الرشوة في العراق وانها وصلت الى المراتب العالية وبعض الاحيان للخلفاء الذين كانوا يمتلكون كل شيء بنصوص الاستبداد والجور، ليست الرشوة جينات وراثية ولكنها تعكس الانحدار الاخلاقي المتدرج والذي اذا مابقي عليه فسيصبح الخطأ هو الصحيح وتنقلب القيم، لانريد ان نذكر وزارة او دائرة محددة فالامر اكبر واشمل واوسع حتى وصلت النفوس الى القاع وصارت تقبل السيكارة الواحدة بديلا عن احقاق الحق، انه ارث مخيف وواقع مخيف ينحدر سريعا ليهدم ماتطول يداه وهو في انحداره يأخذ معه كل شيء.
هواء فـي شبك: (دهن السير)
نشر في: 28 مايو, 2010: 07:31 م