TOP

جريدة المدى > عام > موزارت.. سطوة الحب

موزارت.. سطوة الحب

نشر في: 4 يوليو, 2021: 11:17 م

ترجمة احمد الزبيدي

هذا هو عنوان كتاب جديد يتناول سيرة حياة الموسيقار العظيم ،لقد مر قرن كامل منذ أن أصدر المؤرخ الموسيقي الالماني هيرمان أبيرت كتابه الضخم

 الذي تناول فيه سيرة حياة الموسيقار وولفغانغ اماديوس موزارت (1791-1756) وأكثر من اربعين عامًا على ظهور مسرحية «اماديوس» ، التي كتبها بيتر شافير وحققت نجاحا كبيرا كما هو حال الفيلم الذي انتج لاحقا بنفس العنوان وتناول فيه حياة موزارت والاساطير التي احاطت بها والتي اصبحت مادة للثقافة الشعبية. استفاد مؤلف الكتاب جان سوافورد من بعض المعلومات الجديدة ونشر سيرة حياة محدثة لأحد أعظم الملحنين في تاريخ الموسيقى الغربية. وهو لا يقدم وصفًا مفصلاً وواسعا ومفعمًا بالحيوية عن حياة موزارت والعصر الذي عاش فيه ، ولكنه أيضًا يتصدى لكشف “مجموعة من الأساطير التي احاطت بسيرة حياته».

يبدأ الكتاب بسرد مشهد في منزل موزارت في سالزبورغ في النمسا ، في عام 1761. حين كان ولفغانغ البالغ من العمر اربعة سنوات ، وعلى الرغم من أنه لم يُظهر أبدًا أي إهتمام غير عادي بآلة الهاربسكورد التي تعتبر أحد مراحل تطور البيانو، الا انه أذهل افراد عائلته حين تمكن من عزف قطعة موسيقية كانت صعبة إلى حد ما، وكان قد سمع أن أخته الكبرى ماريا آنا حاولت ان تعزفها من قبل، والتي كانت هي نفسها عازفة بيانو مذهلة. في الأيام التالية، وتحت رعاية والده، ليوبولد، يبدأ الصبي وولفغانغ بالاطلاع على المزيد من القطع الموسيقية من دفتر ملاحظات أخته، ويشرع في عزفها بإيقاع لا تشوبه شائبة. و يشير المؤلف الى تلك اللحظة قائلا: “عندما جلس ذلك الطفل الصغير ليعزف على البيانو ، أظهر براعة في أدائه.»

كشف الصبي موزارت أيضًا عن امتلاكه عبقرية في التأليف الموسيقي.فقد نشر أربعة سوناتات كمان وهو في سن السابعة وبدأ يكتب السيمفونيات وهو في الثامنة من عمره. وقال والده ليوبولد عنه حينها أن “الله يخلق كل يوم معجزات جديدة من خلال هذا الطفل.»

قضى موزارت معظم سني طفولته في السفر ، وقام بجولات متعددة في ظل ظروف شاقة استمرت لسنوات ، وكان يؤدي عروضه لصالح الملوك الأوروبيين تحت إشراف والده. كرس عازف الكمان والملحن والمعلم ليوبولد موزارت كل جهوده لرعاية وتعزيز مواهب أطفاله غير العادية.

عندما كان موزارت مراهقًا صغيرًا ، أثبت أنه مؤلف موسيقي لا نظير له بالإضافة إلى كونه عازفا مجتهدا للغاية. في السابعة عشرة من عمره، انتهى من تدريبه المهني، وبات يعمل عازفا موسيقيا في بلاط حاكم سالزبورغ. وصل في وقت لاحق إلى فيينا ، حيث قام بتأليف العديد من أشهر أعماله ، بما في ذلك السمفونيات والأوبرا واعمال الكونسيرتو والسوناتات. كان بارعًا في جميع الأنواع الموسيقية ، وكان أحد أكثر الملحنين إثارة للإعجاب في عصره، ناهيك عن انه كان الأكثر قربا الى قلوب الناس من الباقين، حيث أن الكثير من مؤلفاته الموسيقية كانت تجذب المستمعين العاديين. يلخص المؤلف الأمر بذكره لازمة شائعة حول موزارت كان يصفه بها النقاد والخبراء على حد سواء: “كان في ذهنه الكثير من الأفكار، ويعزف على الكثير من الآلات الموسيقية، ويحمل معه الكثير من النوتات الموسيقية.»

سبق لمؤلف الكتاب جان سوافورد ان كتب سير حياة للعديد من عباقرة الموسيقى من انثال لودفيغ فان بيتهوفن ويوهانس برامز وتشارلز آيفز ولقيت استحسانًا كبيرا. وهو أيضًا مؤلف موسيقي في أوركسترا بوسطن السيمفونية، بالإضافة إلى قيامه بعدد من الأبحاث الرائعة ،وهو يقدم في كتابه هذا تقييمات ورؤى مستنيرة حول أعمال موزارت. كما أنه يستفيد جيدًا من مجموعة كبيرة من الرسائل التي كتبها موزارت وأفراد عائلته والعديد من الاشخاص الآخرين. تمنح رسائل موزارت القارئ لمحة مباشرة عن ذكائه، وروحه المرحة، التي غالبًا ما تكون ذات اسلوب حاد، من خلال نقده اللاذع للناس ونقاط ضعفهم الكثيرة.

كان هناك طلب كبير على موزارت باعتباره عازفا وملحنًا، وتمتع بمدخول مالي جيد، ورغم ذلك كان يعاني من ضائقة مالية مستمرة بسبب اسلوب معيشته الفخم وعدم قدرته على التعامل مع المال. ليس هناك شك في أن وفاته المبكرة في سن الخامسة والثلاثين كانت بسبب الإرهاق في جزء كبير منها. وأدى هذا لاحقًا إلى ظهور أسطورة تقول أن إرهاقه كان بسبب الإهمال والفقر واليأس. يعارض مؤلف الكتاب هذا الاستنتاج، مؤكدًا أن موزارت قام بالكثير من العمل لأنه كان يرغب بذلك، حيث كان يرى في كل عمل فرصة يجب اغتنامها.

يؤكد المؤلف سوافورد أن موزارت كان “رجلًا سعيدًا في الأساس” ، ويرفض التصور السائد عن موزارت على أنه كان عبقريا تعيسا. كانت هذه الفكرة ، التي نشأت خلال العصر الرومانسي ، غريبة تمامًا خلال عصر التنوير، وهي الفترة التي عاش فيها موزارت. وهو يقول “ان موزارت لم يكن متبنيا لفكرة عبادة العبقرية الرومانسية ، ولم يكن يصنع الفن من أجل الفن.” في الواقع ، لم يكن موزارت يعتقد أنه يؤلف الموسيقى من اجل تخليد أسمه، بل من اجل الزمن الذي عاش فيه .

بالنسبة إلى قصة تنافسه القاتل مع الملحن أنطونيو سالييري ، فان هذه فكرة شائعة أخرى لا يؤيدها مؤلف الكتاب ويتجاهلها. عندما وصل موزارت إلى فيينا ، كان سالييري ملحنًا راسخًا في عالم الموسيقى وكان مفضلًا عند الإمبراطور جوزيف الثاني. وفي أيامه، كانت أوبرا ساليري أكثر شهرة بكثير من أوبرا موزارت و يؤكد مؤلف الكتاب أنه لم يكن لديه سبب كافٍ للنظر الى رجل أصغر منه سنا منافسًا له. للأسف فان من سوء حظ ساليري انه انتشرت شائعة أنه سمم موزارت في سنواته الأخيرة وما بعدها.

قدم موزارت عملي أوبرا خلال ثلاثة أسابيع في عام 1791، عام وفاته ، وكتب المزيد من الاعمال الموسيقية وحقق أرباحًا أكثر من أي فترة مماثلة. من وجهة نظر مؤلف الكتاب ، فان المأساة العميقة الوحيدة في حياة مورزارت هي وفاته المبكرة، عندما كان على وشك الارتقاء بفنه إلى آفاق أعلى.

عن كريستيان ساينس مونيتور

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram