في جلسة خاصة مع مدير تنفيذي من أصل عربي في واحدة من أكبر الشركات الغربية، شكا لي الرجل من ان شركته لا تستطيع العمل مع بلد عربي معين، لأن شيئا لا يمكن أن ينجز فيه دون رشوة. ولذلك حذفوا البلد من خارطة تعاملاتهم. فلاشيء هناك يتحرك دون رشوة، من توقيع الصفقة الى انزال الحمولة على بر تلك الدولة.
وهم لا يستطيعون العمل بالرشوة لأنه لا يوجد بند في ميزانية الشركة يخصص لهذا الغرض، كما يتعذر عليهم التحايل لتوفيرها، لأن نظمهم الادارية تتضمن وسائل رقابية دقيقة وصارمة، اضافة الى وسائل الدولة الرقابية، الحكومية منها والخاصة كالإعلام. وبفعل اشتغال هذه الوسائل الرقابية لمدة طويلة، تحولت النزاهة الى قيمة داجنة، والفساد الى صعوبة بالغة.
في المقابل تظهر فضيحة صفقة السلاح بين روسيا والعراق أن الفساد يتمتع بشرعية على أعلى المستويات في روسيا. فالرواية الشائعة عنها تقول أن المالكي أبدى رغبة في خفض سعر الصفقة، فرد بوتين بأن هناك امكانية لذلك، لكنه فهم أن هذه الإمكانية ابقيت لـ "صالحكم". فكان أن فوجىء المالكي.
هذه الحادثة تظهر الفرق في مستوى النزاهة بين الغرب وبين روسيا. فلا يمكن تصور وقوع مثلها مع رؤساء شركات غربية ناهيك برؤساء دول أو حكومات. فهي تعني ان سلسلة من المسؤولين وافقوا على الرشوة أو علموا بها، وربما انتفع بعضهم بشيء منها، وكان الرئيس الروسي على رأس هذه السلسلة. ولو حدث أمر مثل هذا في الولايات المتحدة، أو اي دولة أوروبية، لأصبح فضيحة تدوي أصداؤها في انحاء العالم، الى جانب ما يترتب عليها من سقوط سلسلة المسؤولين من أدنى الى أعلى.
ورغم ان الفساد قصة متفشية ومعروفة في روسيا، غير أنه من المفترض أن يكون مفاجئا عندما يتعلق برئيس هذه الدولة العضو الدائم في مجلس الأمن. ولكن غياب ردود الأفعال المثيرة عليها في الصحافة الغربية يعكس تسليما بفسادها الهائل. والفساد الروسي، السياسي والمالي، محظوظ بوجود سوق عربية اسلامية تستهلك منتجاته. العراق، مثلا، لم يكن محشورا مضطرا الى هذه الصفقة. فلعل المالكي أرادها حيلة سياسية من اجل تعجيل التسليح الأميركي للعراق.غيره من المسؤولين العراقيين أرادها بابا من أبواب الرزق الحرام. وروسيا جاهزة للحيلة والسرقة على الدوام.
هناك أشياء عديدة تشبهنا في هذه الدولة. الفساد أحدها. مواردها الرئيسية مثلنا تأتي من النفط والغاز. ومثلنا أيضا مؤذية لنفسها ضارة لغيرها. المناعة تجاه الديمقراطية وجه شبه آخر. ثم هناك المشكة الروحية العميقة مع الغرب. فهي مثلنا تتناوب عليها أمواج الحذر والشك والعداء تجاه الغرب. إن روسيا الروح شأن روسيا الجغرافية أقلها أوروبية وأكثرها آسيوية. لم تستطع أن تكون غربية ولا أن تكون شرقية.
ولكنها استطاعت أن تكون مقلقة للجميع. يقول الفيلسوف الألماني ألبرت اشفيتزر عن روسيا أنه "كان مقدرا لأوربا الدمار بسبب بلاد فيها ولكنها لا تنتسب اليها". وعلى يديها ها هو الشرق الأوسط على وشك الدخول في حرب باردة ثانية. ان مخزونها النووي الأكبر كميا في العالم يغريها بعرض عضلاتها في كل فرصة سانحة. ونحن غالبا ما نكون أول المتطوعين لمنحها مثل هذه الفرصة.
روســـيا تشـبهنــا
[post-views]
نشر في: 13 نوفمبر, 2012: 08:00 م
جميع التعليقات 1
ابوحسين الخزعلي
مقال غير مترابط الافكار ودعاية مجانية للراسمالية التي اوجدت نظام الكومشنات في سياق مبدا التسوق للبضائع والسلع باعتبارها جزء من خدمات البيع وحسابيا موجودة في نظم حسابيا بعض الاحيان يطلق عليها عمولة البيع وتطورت الى السلع والبضائع الاحتكارية الكبيرة ويبدو ا