TOP

جريدة المدى > ملحق اوراق > أفول نجم.. سيرة جديدة لفرويد

أفول نجم.. سيرة جديدة لفرويد

نشر في: 29 مايو, 2010: 04:36 م

على مرّ صفحات تزيد على ستمئة، يتهجم الفيلسوف الفرنسي  ميشال اونفري على ركائز فرويد الشخصية ويتكل في ذلك على نقد اخلاقي يصلح مطية ذات فاعلية استثنائية، بغية زعزعة سلطة احدهم في المبدأ. غير ان المنحى يتراءى مقصرا في هذا المكان في عرف متخصصين عدة يعتبرون التحليل النفساني لا يحتاج الى فرويد ليكون. في كل حال لم تكذبهم في هذه المقاربة مجموعة من النقاد الملتئمين في سابقة حول رأي واحد يقنُص الكتاب بشراسة غير معهودة..
ليس من حاجة الى القول ان اونفري رافع مفهوم الجمهورية فوق كل اعتبار، محترف الاستفزاز من الطراز الرفيع، وسبق له ان جرّب تلك الانعطافات المباغتة في عام 2006 مع "قصة مضادة للفلسفة" في مجلداتها الستة لدى "غراسيه" ايضا، حيث صار من الأوراق النشرية الاكثر ظفرا. اعاد في المجموعة وضع الفلاسفة الماديين والمتعويين وسبينوزا ونيتشه في مواجهة افلاطون، وكل فيلسوف ساهم في ضمّ المسيحية الى السلطة الفكرية منذ الفي عام. اما في مقابلة مع "النهار" على هامش معرض الكتاب الفرنكوفوني، في نهاية عام 2009، وفي سياق رده على سؤال طرحتُه في شأن الجسد كحامل للفكر وعن احدانية سبينوزا، فقد عرّج اونفري على الخاصية لدى نيتشه ليضيف ان اصحاب صحة عقلية قليلة الشأن، يبلورون فلسفة قليلة الشأن ايضا. قال: "ثمة شخص مثلا انجذب الى أمه ورغب في ان يمارس الجنس معها حمل اسم سيغموند فرويد، وطوّر نظرية عقدة اوديب وسوّق لهذه المسألة في العالم برمته". كان ذاك الغمز من قناة مؤسس التحليل النفساني، مجرد اشارة الى مسار كتاب اؤتمن على إحداث دويّ. لا مجال للتغاضي عن ان تاريخ التحليل النفساني اتّسم بتناوب بين الدُرجة والنبذ. فرويد عينه، كتب في عام 1914: "خلال السنوات المنصرمة، تسنى لي ان اقرأ اكثر من عشر مرات نظريات تنبئ بموت التحليل النفساني، وتفيد ان الزمن تخطاه، بل لفظه. كان في إمكان جوابي ان يتّخذ شكل البرقية التي ارسلها مارك تواين الى الصحيفة التي اعلنت خبر موته الكاذب، حيث يرد "ان خبر وفاتي ينطوي على مبالغة كبيرة!"، في اعقاب كل ورقة نعي علِّقت على نعش التحليل النفساني، لكان كسب في المقابل مناصرين ومتعاونين جددا. ان اعلان الموت لأجدى من الارتطام بصمت الموتى". يميل ميشال اونفري صوب فلسفة تعتمد القصف المكثف ولا تتمهل عند فروق صغيرة في وسعها ان تغيّر المقتربات جذريا. غير ان الفضيلة الاولى للنقاش المتمحور على مؤلفه، تتمحور على قدرته على تحريك تكلّس فكري يتشبّث بالنطاق التحليلي راهنا. في السبعينات من القرن المنصرم، كان ثمة مدّ وجزر بين التيارات المختلفة، وانتاج تنظيري رفيع في فرنسا، غير انه تهالك وتحجّر ضمن مجموعة من العقائد وقف عندها من دون ان يسائلها. اكثر من ثلاث مرات في غضون شهرين، اخذ ميشال اونفري على عاتقه في جريدة "لو موند" ان يحفّز التداول في كتابه، ذلك ان الماركسية في منطقه ماتت لأنها لم تستطع ان تكون جدالية، وأن التحليل النفساني آيل الى الموت للسبب عينه. . يؤكّد اونفري في "افول نجم "، انه تم الترويج لصورة خرافيّة لفرويد مبتكرا اكتشف "قارة اللاوعي العذراء وحده"، فيما يتجاهل ان فرويد افضى في عام 1930 الى احد الاشخاص الذين اخضعهم للتحليل يدعى سمايلي بلانتون، برفض منتقديه التسليم باستناد التحليل النفساني الى مركّب وقائع تم جمعها رويدا بجهد ووفق منهجية، وتشبثهم باعتباره "انزل من السماء او خرج من الجحيم ككتلة من الحمم". يجزم ميشال اونفري انه لم يدّع طرح افكار غير مسبوقة او تقديم نفسه مجدّدا وانه اتكل على مراجع عدة مثل الأكاديمي المتخصّص في علم النفس جاك فان ريلاير المناهض لاتباع لاكان وفرويد وأحد واضعي "كتاب التحليل النفساني الأسود" في عام 2005. يلفت الى انه عاد الى ميكال بورك جاكوبسين ايضا، أحد اصحاب المواقف الصارمة في خضم نقاش عنيف شهده العالم الانغلوساكسوني وعرف بإسم "فرويد وورز"، اي "حروب على فرويد". وازاء فصول الحملة الموجّهة ضده، شدد اونفري على عدم حمله ضغينة ازاء فرويد، رافضاً اعتبار كل نقد مباشر وعلني يبديه ازاء المحللّ، وجهاً من وجوه حبّ لاواع يكنّه له، عملا بمنطق النهج الفرويدي عينه. يريد اونفري التحفّظ عن التحليل النفساني نظاما عقائديا غير قابل للتطور والإضاءة على حياة فرويد وعمله، انطلاقا من مبدأ لنيتشه يفيد بأن الفكر هو دوما اعتراف صاحبه الذاتي. يرغب اونفري في جعل "العِلم" الفرويدي مجرد فلسفة وجودية فحسب.يكمن احد فخاخ كتابة سيرة فيلسوف عظيم في محاولة تقزيم الأفكار المهمّة الى مقاربة نفسانية، وجعل قصة الحياة تفسّر الأفكار وعدم الاكتفاء بجعلها تؤمّن السياق فحسب. بينما المثالي، كتابة سيرة "فلسفية" للفيلسوف. والحال، ان اونفري لا يقدم سيرة "نفسانية" للمحلل النفساني، وانما سيرة "فلسفية" له، لا تنحصر في اقتراض العنوان من ملهمه نيتشه "افول المعبودين" فقط.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

دستويفسكي جوهر الروح الإنسانية

دستويفسكي جوهر الروح الإنسانية

لكن الفكرة المركزية التي سيطرت على دستويفسكي كانت الله والذي تبحث عنه شخصياته دائما من خلال الأخطاء المؤلمة والإذلال.يقول دستويفسكي على لسان الأمير فالكوفسكي في رواية مذلون مهانون (.... لكنك شاعر ,وأنا إنسان فان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram