رمــــــاد الـــثــــــــــلـــــــجيقال كثيرا ان العراق ولود بالشعراء، وان تحت كل حجر ثمة صندوق شعري، واحسب ان ماقاله محمود درويش(كن عراقيا لتصبح شاعرا) توكيد لهذه الفرضية السسيو ثقافية الحادة في اشهارها وفصاحتها.
لكن هؤلاء الشعراء المولودين، كثيرا ما يعبرون، وينضج عودهم دون ان يترصدهم احد، يعبرون الى ضفة الكتابة اجيالا او ظواهر او حشودا وسط نعاس عمومي، او سهو نقدي لايراقب اصحابه سوى ضجيج الحجر المتساقط، وربما يتورطون بامتياز الانخراط اللغوي في فخاخ النظريات الثقافية، والتي لاتعدو ان تكون عند بعضهم كلاماً في كلام.. ورغم معرفتنا بالحاجة الى اهمية النظرية الثقافية واشتغالاتها المنهجية واثرها في صناعة الظواهر، وكذلك ضرورتها في ادامة الجهد المعرفي، لكن ان تكون هذه النظرية خشخاخا للهذيان والتعمية وسوء التدبّر فهذا امر يحتاج الى إعادة قراءة وفحص معمقين لادواتنا النقدية والمعرفية ومراقبة ابوابنا وشبابيكنا وعلى وجه الدقة مراقبة خلواتنا السرية من لصوص هذه النظريات، لان هذه الخلوات مسؤولة بشكل واسع عن توليد نصف هذا الهذيان.. هذا الهذيان مسؤول ايضا عن تفشي مظاهر الإهمال النقدي والإهمال الشعري. تلك التي افقدتنا حساسية تلمس اقدام الشعراء الهاربين من حشودهم، النافرين باغتراب وعيهم عن قبائل الابناء المشابهين في سحناتهم ولثغاتهم واوهامهم، واحسب ان غياب هذه المسؤولية هي وجه من وجوه الكارثة الحادثة على الاجيال الجديدة الذين يعيشون هوسا وازدحاما غريبا من الصعب فرز مواصفات ازدحاماته واشتباكاته والتباساته وحتى اشتغالاته التي يختلط فيها الجمالي والمعرفي مع نقيضه، والشعري مع ما يخالف اشتغالاته في التعري والنفاذ والتميز.ان مراقبة سرد اليوميات الشعرية، اي ما تنشره الصحف والمجلات والكتب، والانصات الى بهجة الصوت الشعري، صوت الذوات المتميزة، يعدّ مدخلا لاعادة قراءة الظاهرة الشعرية واضافاتها الجديدة وفرز العديد من اصواتها المميزة، تلك الاصوات المغامرة التي تدخل في نسق(الاضافة)و(التجديد) والتي تحتاج بالضرورة الى مختبرات شعرية ونقدية، مختبرات على مستوى الإجراء النقدي وعلى مستوى الدراسات الاكاديمية في الجامعات وعلى مستوى المؤسسات الثقافية الرسمية والمدنية، وعلى مستوى وسائل الاعلام الثقافي، خاصة اذا عرفنا ان اكثر تجليات ظواهرنا الثقافية (الشعرية والقصصية والروائية والمسرحية وغيرها) هي صنيعة هذا الاعلام الثقافي الضاج والمتشابك والمفتوح، مثلما هي اكثر هامشية صناعتنا الاعلامية الثقافية الرديئة والمغشوشة..ولا اجد غضاضة في ان تتبنى الجهات الرسمية مسؤولية دعم هذه التوجهات، لان تاريخ الثقافة العراقية للاسف ومنذ مرحلة ما بعد 1958 اصبح رهينا بشكل واسع بالدعم الحكومي الرسمي، حيث تفننت الحكومات وعبر مراحل معينة من الزمن السياسي العراقي في فرض سطوتها وسيطرتها على الصناعة الثقافية والشعرية، وربما توجيهها لخدمة اعلامها وضجيج حروبها وغلو كارزماتها. واحسب ان التخلص العجول من هذا التاريخ وطرده دونما قراءة واعية يعد مغامرة غير محمودة النتائج، خاصة مع مظاهر الضعف القار للبنيات الثقافية المدنية وعدم قدرتها على انتاج ودعم وتسويق وحتى احتضان(الصناعة الثقافية) وغياب الخطط الستراتجية الوطنية في مجال التنميات الثقافية والبشرية، كل هذا يؤكد اهمية البحث عن حلول ومعالجات باقل الخسائر الممكنة، اذ ان ما نفترضه في هذا السياق ينطلق من اهمية التنسيق الفاعل والحقيقي والمهني والعلمي بين الجهات الرسمية ذات العلاقة وبين الجهات المدنية لايجاد نوع من المواءمة ونوع من الارضية المشتركة التي يمكن ان تستوعب حراكا ثقافيا، تلك التي يمكن ان تسهم في إيجاد فضاءات ثقافية اكثر شفافية تتسع للحوار والأسئلة، وتتسع لان تكون مصدر ضغط على أصحاب القرار بضرورة ايلاء (الصناعة الثقافية) الأهمية الاستثنائية، ودعم برامجها وميزانياتها، مثلما تسهم في مساعدة المثقفين الادباء على تجاوز ازمة حرمانهم القديم ومجاعاتهم ومنافيهم وسجونهم واحلامهم المكسورة المتوارثة، ولكي يجدوا فضاءات(نظيفة) للمعيش والرفاهية والتفكير دون عقد والكتابة دون مرائر او شروط مفروضة، ودون اباء عاقين ورعويين تعودوا على الاحتفاظ باسرار غابة الحصرم. واحسب ان السعي الى اثارة الاسئلة حول (جدوى) الصناعة الثقافية في حياتنا (اللامثقفة) وتسليط الضوء على الملف الثقافي باعتباره الملف الذي ينبغي ان يشاطر الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية الأهمية، هو طريق الحرير السري الذي يؤدي دائما الى ما يشبه (الثورة) الأخلاقية والمعرفية التي نحتاجها حقا، والتي تمنحنا القدرة على فتح الكثير من الطرق المسكوت عنها في تاريخنا الذي جعلت منه قهريات الاستبداد خاضعا لطرق محروسة بالعسس واللصوص وأصحاب الطرق..لا اتحسس هنا من مصطلح (الثورة) الذي قد يؤدي الى الانكشاف على مناطق ساخنة، اذ اجد ان هذا هو ما يناسب (حاجتنا) الى التغيير، وحاجتنا الى مواجهة عللنا الثقافية، والتيقظ ازاء امراض نعاسنا القديم، الذ
اللحظة الشعرية العراقية.. ثمة طريق سري للحرير دائما
نشر في: 29 مايو, 2010: 05:01 م