الأربعاء، 16 إبريل 2025

℃ 23
الرئيسية > أعمدة واراء > تفكير العامّي باطل

تفكير العامّي باطل

نشر في: 13 نوفمبر, 2012: 08:00 م

جرت محاولات عدَّة لاستنساخ تجربة التنوير. ودائماً ما تفشل هذه المحاولات؛ لأنها تغفل عدم توفر القواعد التأسيسية للتجربة المنقولة، في المجتمع المنقولة له، وتتجاهل الحاجة للبحث فيما لو كانت هذه القواعد قابلة هي الأخرى للاستنساخ أم لا؟
تجربة التنوير التي نَقَلت المجتمعات الغربية إلى عصر الحداثة وما بعدها، وجعلتها قادرة على توفير كامل اشتراطات الدولة المدنية.. استعصت على عمليات نقلها إلى المجتمعات العربية/ الإسلامية، والسبب هو عدم توفر الحد الأدنى من شروط نجاح عمليات النقل هذه.
دائماً أقول إن هناك فرقا جوهريا بين الدين الإسلامي وبقية الأديان، فالديانة المسيحية، مثلاً، لا تقوم على نص مُؤَسِّس يطرح ملامح دستور اجتماعي واقتصادي وسياسي، دستور يحدد ضوابط تحاول أن تُنَظّم ادق تفاصيل سلوك الأفراد ونشاطاتهم الحياتية المختلفة. كما أن الديانة المسيحية لا تطرح الإنجيل باعتباره كلام الله بنفس الصيغة التي يفعلها الإسلام، فالإسلام يطرح القرآن لا باعتباره كلاما منقولا عن الله، بل باعتباره كلام الله نفسه، لكن بصوت محمد، الإسلام يطرح النبي محمد باعتباره واسطة إيصال محايدة للخطاب الإلهي.. والمسيحية -وبقية الأديان- لا تفعل ذلك.
وهذا الفرق جوهري بين الخطابين وبين الكتابين، ومن ثم بين النموذجين، فالنموذج الإسلامي يقدم وجهة نظر الرب في ما يتعلق بالدستور الخاص بكيفية إدارة الأفراد لشؤون حياتهم، ومن هنا يعتقد المسلمون بأن لا حاجة بهم للدساتير البشرية؟
من جهة أخرى، نجد بأن الفكرة الجوهرية التي قامت عليها عملية التنوير في المجتمعات الغربية هي إعادة ثقة الإنسان بعقله، وبقدرة هذا العقل على الحكم على الظواهر دون الحاجة لمن ينوب عنه في الحكم، وهذه الفكرة هي التي جعلت دعاة التنوير بمواجهة هجمات الكنيسة، لأن ثقة الفرد بعقله تحميه من استغلال المؤسسات الدينية التي تحاول احتكار التفكير بالله.
إذن فنحن، إسلامياً، نواجه عقدتين، عقدة إذ الثقة بالعقل التي تواجه مشكلة التقليد، وهي مشكلة تقوم على مبدأ (عمل العامي باطل ما لم يستند على رأي المجتهد)، أما قبول النموذج الغربي، فيواجه إشكالية النموذج الإلهي، فما حاجة الفرد لنموذج في إدارة الشؤون الخاصة والعامة إذا كان هناك نموذج إدارة مرسل من السماء؟
إذن، وقبل التفكير ببناء دولتنا المدنية علينا الإجابة عن هذين السؤالين: الأول: هل يمكن إنتاج مجتمع ينهض باشتراطات الدولة المدنية بالاعتماد على أفراد مُقَلِّدين؟ والثاني: هل يمكن لدولة "الدستور المدني" أن تنسجم مع مجتمع يؤمن بأن قبوله بدستورها هو قبول مرحلي أملته الضرورة وأن الشرعية يجب أن تعود لدستوره الإلهي؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

قناطر: الزبير والمُستزْبِرون

العمود الثامن: من يحاسب ضباط الداخلية ؟

من يونيتاد الى المحكمة الجنائية الدولية..العدالة الدولية تحت المطرقة

هلال العيد.. جدل متجدد بين الفقه والعلم وثقافة الاختلاف

سيكولوجية تجنيد العقول في الجماعات الارهابية الدينية

العمود الثامن: اربيل تقرأ

 علي حسين صبيحة كل يوم يجد المواطن العراقي المسكين نفسه محاصرا بأخبار الصراع على السلطة، بين الذين يجلسون على كراسي السلطة.. حالة غريبة وعجيبة. هذا المواطن بعد تجربة مريرة لن يصدق أكذوبة أن...
علي حسين

كلاكيت: "ندم" وعودة الفيلم الجماهيري

 علاء المفرجي الانتاج السينمائي الموجه للجماهير العريضة بهدف جني الارباح من شباك التذاكر، هو الظاهرة التي لازمت الانتاج السينمائي في كل مكان، وربما كانت السبب الأساس في تراكم خبرة السينمات التي أزدهرت فيما...
علاء المفرجي

مرور نصف عقد على رحيل رفعة الجادرجي 10 نيسان 2020

بلقيس شرارة منذ خمسة اعوام فارق رفعة الحياة، وترك فراغاً كبيراً في حياتي. فقد كان رفيق فكر منذ ان تعّرفتُ عليه، وارتبطت حياتنا بذلك التقارب الفكري الذي ثبّت الأسس التي بنيت عليها تلك الرفقة...
بلقيس شرارة

الحاكم بمنظور إمام سلطة الحق

د. قاسم حسين صالح يعدّ الأمام علي اول خليفة وأول رجل دين في الأسلام ينتبه وينّبه الى صفة غاية في الأهمية يشترط توافرها في الحاكم هي ان يكون متمتعا ( بصحة نفسية وعقلية!).. وتعني...
د.قاسم حسين صالح
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram