حازم مبيضين في الوقت الذي تتكرس فيه قيم المواطنة في الاقطار العربية كافة،" البعض يسميها قطرية "،فان المثير للدهشة أن من يقومون بترسيخها،يدعون ليل نهار العراقيين للتخلي عن مشاعرهم ومصالحهم الوطنية،لصالح الفكرة القومية،
التي ما تزال غائمةً وضبابيةً حتى عند الداعين لها والمنظرين لطروحاتها،وهم يتجاهلون عن سابق تصور وتصميم أن سكان ما بين النهرين يتسمون بقدر غير قليل من التنوع الثقافي الديني والعرقي واللغوي، وأن مسألة حشرهم جميعاً في إطار قومي واحد تعني أولاً وعاشراً الانتقاص من حقوقهم،خاصة إن ترافق مع ذلك تسيد ديانة واحدة على المشهد العام في دولتهم القوميه .العراقيون هم عراقيون قبل أن يكونوا عرباً،والمصريون والسوريون أيضاً،وأبناء الرافدين يعيشون اليوم مرحلة تحولات جذرية،مصحوبة بالعديد من الاشكالات تمنعهم من الالتفات إلى شعارات القومجية،وتدفعهم إلى ما يشبه الانكفاء إلى داخل وطنهم،بحثاً عن حلول للمشكلات التي ورثوها عن عقود من الحكم الدكتاتوري،وتأصلت بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية،ونمت كالفطر في ظل انتقال الريف إلى المدينة ليغير وجهها دون منحها هوية جديدة ،وزاد الطين بلة سنوات الفوضى التي تبعت سقوط نظام صدام،واستشراء نفوذ المتعصبين الدينيين،والتفات معظم الساسة إلى مصالحهم الحزبية والشخصية،على حساب العمل من أجل الصالح العام. الدعوات الموجهة للعراقيين للتنازل عن انتمائهم الوطني لصالح القومي،تأتي في وقت يسعى فيه أبناء الرافدين لترسيخ مواطنتهم على أسس مبادئ حقوق الإنسان للحاق بمن سبقهم،وخطا بجدية في طريق تأمين الحقوق والحريات، وقطع أشواطاً في تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية،وينسى الداعون أنهم تخلوا عن العراقيين في أحلك الظروف التي مرت بوطنهم،وأنهم ابتعدوا مسافات ضوئية عن عذابات العراقيين،لكنهم لم ينسوا مواصلة دعوة البعراقيين لتقديم المزيد من التضحيات لمجرد الفوز بشرف الانتماء القومي،مع أنه غير ضروري ولا مفيد،إن لم نقل أنه يسلب إمكانات يجب أن توظف للتنمية والخروج من إرث نظام صدام. العراقيون اليوم بحاجة إلى ترسيخ فكرة المواطنة في بلد يكاد يتشظى،مواطنة تكفل للفرد حريته الأساسية ومساواته مع الآخر،وتعزز مبادئ المساواة والحرية،والجهد في هذا الاطار يجب أن يكون مشتركاً بين المؤسسات الحكومية والعاملين في منظمات المجتمع المدني،وبين القوى السياسية التي تتصدى للقيادة،والقادة الدينيين المتنورين،ونحن على ثقة بان هذا الجهد سيكون محروساً من الجماهير التي قدمت تضحيات كبيرة لشؤون أقل شاناً وتاثيراً من هدف جمع العراقيين على هوية وطنية جامعة،يتواصل السعي لترسيخها منذ أيام الملكية وسدارة فيصل الاول " الفيصليه " .الشعارات القومجية الفارغة من المضمون،لم تعد ولا يجب أن تعني كثيراً للعراقيين الذين دفعوا أثماناً باهظة،نتيجة تبني النظام السابق لها على حساب مواطنتهم التي ظلت مجرد وظيفة لخدمة الغير ولتأطير صورة صدام باعتباره بطل القومية والقائد العروبي الكبير.
خارج الحدود :العراقيون والعروبة
نشر في: 29 مايو, 2010: 05:38 م