علي حسين
بين الحين والآخر، أعود إلى كتاب "لا مذكرات" لأندريه مالرو، أقرأ هذا السِّفر العجيب، وأنظر في أحوال الأمم، وأرى كيف تطورت هذه الأمم بالعلم والمعرفة والصدق في العمل، وكيف نصرُّ نحن في هذه البلاد على أن نحصل على المركز الأخير في مؤشر الدول الجيدة، وأتمنى أن لا يغضب البعض مني ويعتبر الأمر إساءة لبلاد الرافدين التي علّمت العالم الكتابة والحضارة..
ياسادة، إن الحضارة اليوم هي في رفاهية الشعب.. مؤشر البلدان الجيدة، الذي ربما يسخر منه البعض ويعتبره مؤامرة صهيونية، هو مؤشر يرصد مساهمة البلدان في تحقيق المصلحة الفضلى للمواطن من خلال العلوم والتكنولوجيا والثقافة، السلم والأمن ومكافحة التلوث والرخاء والمساواة والصحة والرفاهية، والحمد لله حصلنا على ذيل القائمة.
عندما أصبح الجنرال ديغول رئيساً لفرنسا بعد الحرب العالمية الثانية كان من بين أوائل التوقعات أن يكون العسكر أول مَن يدخل معه الى قصر الإليزيه، لكن المفاجأة كانت في أن جنرال فرنسا أرسل في طلب ثلاثة من كبار كتّاب باريس: فرانسوا مورياك وبول فاليري وأندريه مالرو، فقد كان يؤمن أن مجد فرنسا لا يستعاد بأصحاب الرتب والنياشين، وإنما بإفساح المجال للعقول الكبيرة.
حين وقف مالرو أمام ديغول بادرهُ الأخير بالقول "المستقبل أولاً". في كل يوم نتابع أخبار هذه البلاد، نجد أنّ هناك اكتشافاً جديداً يقدمه لنا المشهد الكوميدي السياسي، وكان آخرها ما أعلنته مديرية الأمن في هيئة الحشد الشعبي عن قيامها بإغلاق أكثر من 320 مقراً وهمياً تنتحل صفة الحشد، أغلبها في بغداد، وأتمنى عليك ألّا تبحلق في الخبر تعجباً، نعم، في بغداد لوحدها، أما في المدن"المتقدمة" جداً، فإن الأمر يحتاج الى عدّاد إلكتروني.
يقول الجنرال ديغول لوزير ثقافته مالرو: "بيني وبينك، هل هناك ما يستحق الكتابة عنه؟".
ماذا نكتب نحن الصحفيين الخائفين على جلودنا من أن تسلخ في مسلخة المتبارين على " قدسية" الساسة، سوف نجرب أن نعرف لماذا يريد لنا البعض ان نموت من أجل طهران؟ فيما آخرون يصرون على أن ندور في فلك تركيا، سيقول البعض: يارجل أنها بلدان جارة ويهمنا استقرار المنطقة، نعم ياسادة نحن مع الاستقرار، ولكننا أيضا مع أن يبقى العراق كبيراً وعزيزاً، فلا أحد منا نحن قبيلة الكتاب المشاغبين يريد لهذه البلاد أن تكون صغيرة وضعيفة، أو تتصرف مثل التابع.. إن ما نكتبه هو غضب المحبين الحقيقيين، وهو أنبل وأرقى من رضا النصابين الانتهازيين، الذين يريدون أن يحولوا العراق إلى مجموعة من الدكاكين الخاصة، كل ما يشغلهم هو أن يحققوا من خلاله الحد الأقصى من الأرباح والمنافع الشخصية.