جبار علي اللعيبي*
منذ تموز ١٩٥٨ وما رافقه على مدار عقود من فوضى واعمال عنف وشرخ مجتمعي غير مسبوق شمل معظم مفاصل الدولة والمجتمع، مع الافتقار الواضح في الرؤى والنهج السياسي في بناء وطن مزدهر وحر يحضن في ثناياه مجتمع تسوده العدالة والديمقراطيه والتنمية الاقتصادية وقد امتد هذا الطوفان لعقود طويلة ..
لم ينعم البلد في وضع استقرار مستدام بسبب الانقلابات العسكرية والعنف والقسوة والانقسامات في شرائح المجتمع. وعلى الرغم من حدة وشراسة تلك الحقب الا ان هناك بعض الانجازات الواضحة تحققت في مفاصل اساسية من البلد وضعته على الطريق والمسار الصحيح نحو الاستقرار والتنمية ثم توقفت كلها خلال أزمنة الحروب المتتالية والحصار القاسي مسببة نتائج كارثية.
وبعد ما حدث عام ٢٠٠٣ استبشرت الغالبية العظمى من العراقيين بحدوث ادنى مستويات التغيير في مجالات التحديات الاساسية والنهوض والتنمية، لكن للاسف طهرت هناك مظاهر وسلوكيات سلبية غير مألوفة على طبيعة الشعب والمجتمع العراقي باطيافه كافة حيث تفاقمت مظاهر الجهل والتشرذم والعشائرية والتراجع والتخبط في كل المجالات الامر الذي خلق بيئة لآفتي الفساد والخراب.
ان مايثير الاستغراب والتعجب وصول البلد الى حاله يقوم بها رئيس الوزراء بمهام متابعة والاشراف المباشر على اعمال تخريب واصلاح وحماية ابراج الكهرباء في حين ان هذا المنصب مثقل بمهام جسام في خانة الاولويات لعملة اليومي، اصبح السؤال الكبير بل اللغز الناقص لدى الغاليية العظمى من الشعب العراقي يكمن في العوامل والدوافع التي اوصلت البلد الى هذا الوضع الشاذ بل المؤلم. من خلال مراجعة حيثيات ووقائع مايجري في قطاع وزارة الكهرباء خلال العقدين الاخيرين يوصلنا الى استنتاج واضح وقوي ان الحلول اصبحت بعيدة المنال وان الأزمه سوف تستمر كما كانت عليها في السنوات الماضية والحالية.
مادامت مثل هكذا ظواهر بدأت تخنق البلد وتدفع بة بقوة الى المجهول المظلم فقد حان الوقت الى اجراء مراجعه ووقفة تدبير ومعاينة مرتكزة على الدروس والنتائج للواقع القديم والحاضر والانطلاق منها الى اتخاذ قرارات ادارية شجاعة ومقتدرة لانتشال هذا القطاع من ظلامية الفساد والجهل والتراجع ونفض الغبار من خلال تبني وانشاء نشاط لمكون جديد مقتدر ويبتعد عن الوضع الحالي يعتمد في عمله على خطط محكمة وبرامج عمل هادفة.
وفي مقترحنا ان هذا المكون والهيكل الجديد هو استحداث (وزارة الطاقة العراقية) لتضم وزارتي الكهرباء والنفط،ومن المفيد في هذا المجال التطرق ولو بايجاز عن وضعية كل جزء من هذا النشاط:
أولاً- قطاع الكهرباء
كما هو معلوم لدى بعض المطلعين فقد عانى الشعب العراقي اقسى واصعب الاوقات خلال فترة الحصار وكان انقطاع التيار الكهربائي من اكثر الظواهر والحالات تأثيرا على حياه الناس. وقتها بذلت الدولة جهوداً جبارة في اصلاح المنظومات الكهربائيةحتى وصل الامر برئيس الدولة الى المشاركة والتدخل المباشر بكل ما يملك من قوة وجبروت في متابعة مجريات واعمال اعمار تلك المنظومات الا انه في نهاية المطاف وصل الى حالة من اليأس بسبب ما كان يدور من ضبابية ومواقف متضاربة وقام بتوزير احد الاشخاص للقيام بهذة المهمات الا انه وبعد فترة اودع السجن بسبب شبهات فساد علماً ان اعمال الاعمار في حينها كانت تتم خارج اتباع المعايير والمقاييس والمواصفات العالمية وهذا يعني في النتيجة ان البناء كان على اسس هشة وربما خاطئة. بعد الاحتلال ساد شعور لدى المواطنين بان معضلة الكهرباء في طريقها للحل بسبب وجود قدرات هندسية فائقة مع قوات الاحتلال،وبالرغم من تحقيق بعض الاعمال في هذا السياق الا انها كانت محدودة ثم تركت الامور لموجات الفساد لتخيم وتسيطر على هذا القطاع. ومن المفيد التذكير هنا ان قطاع الكهرباء في الكويت قد تم محوه بالكامل خلال الحرب الا انه اعيد خلال فترة زمنية قصيرة وقياسية، وكذلك - ومن باب المقارنة - فان اقليم كردستان تمكن ومنذ سنوات طويلة من التغلب على هذه الاشكالات، واصبح هناك منظومات كهربائية تعمل بالاستدامة وكفاءة .
السرد المختصر اعلاة يوصلنا الى استنتاجات واضحة تتمركز على ضرورة اتخاذ خطوات ادارية قوية مدروسة بدقة عالية ومعاينتها حول محور ان التغيير اصبح من الاولويات والضرورات التي لابد منها وتهدف في الاساس الى:
اولاً - حل وزارة الكهرباء ودمجها مع وزارة النفط ليصبح الجميع كيانا جديدا باسم (وزارة الطاقة العراقية ) تتمحور اعمال ومهام وزارة الكهرباء في:
أ- رسم الخطط والاستراتيجية في كل مجالات الطاقة.
ب- الاشراف ومتابعة كل ما يتعلق بتوفير التيار الكهربائي لعموم البلد.
ج- العمل ضمن برنامج عمل وخطة طموحة لاستخدام الطاقة الشمسية لتوفير الكهرباء في عموم البلد وبنسبة لا تقل عن ٣٠٪ من الاحتياجات الكلية .
د- مواكبة التطور والنهضة المتسارعة في اغلب دول العالم في مجالات الطاقة المتجددة والطاقة النظيفة وغيرها .
هـ - العمل في مسار متسارع وضمن برنامج زمني محدد وقصير لاستكمال الربط الكهربائي مع دول الجوار.
ثانياً: قطاع التوليد والتوزيع
- اخضاع القطاعين اعلاه الى الخصخصة على ان تكون ضمن مقاييس ومعايير محددة تعتمد على الخبرة والمقدرة المالية والاقتدار الفني وشهادة السلوك الخالية من شوائب الفساد وما شابه.
- انشاء محطات توليد في عموم البلد بطاقة ١٥٠٠-٢٠٠٠ ميكا واط.
- انشاء محطات توزيع جديدة في عموم البلد .
- تبديل خطوط النقل الداخلي الى قابلوات .
-نصب عدادات حديثة في الدوائر والبيوت.
- تجهيز محطات غاز جديدة وتحويل محطات التوليد بوقود النفط الى وقود الغاز .
في حال تعذر وزارة النفط عن توفير كميات الغاز المطلوبة لتوفير الكهرباء عندها تظهر الحاجة الى دراسة اللجوء الى نمط ونموذج العمل في اقليم كردستان والذي اثبت النجاح والتفوق بكل جدارة.
ثانياً - وزارة النفط
تولدت لدي قناعة من خلال خبرتي الفنية في قطاع النفط والغاز وكذلك مواكبتي لما يجري من تطورات ومتغيرات جوهرية ومتسارعة على صعيد الصناعة والاسواق العالمية خاصة بعد ما احدثت جائحة كورونا من متغيرات جذرية وواسعة ادت الى احداث تغييرات في وضع صناعة النفط والغاز العراقية بحيث غدى القطاع في شاكلة تحتاج وبشكل مؤكد وسريع الى مراجعة وضعه بخطوات جذرية تكمن مجابهه والتعامل مع التحديات الجسام التي تخطو بخطوات متسارعة وفي حال ترك الوضع كما هو فالطوفان قادم لا محالة وسينجم عن ذلك كوارث وعواقب لاتحمد عقباها وتفوق بكثير ما يحصل من معاناة من وضع قطاع الكهرباء. ومن المفيد هنا التذكير ببعض خلفيات قطاع النفط والغاز في العراق فقد حظى هذا القطاع باهتمام كبير وواسع في كل حقبات المتغيرات السياسية وكان قانون ٨٠ لعام ١٩٥٩ القاضي بالسيطرة الوطنية على ٩٨٪ من الاراضي العراقية لعمليات الاستكشاف والتطوير الوطنية ثم قانون انبثاق شركة النفط الوطنية العراقية وخلال حقبة السبعينيات وصل القطاع الى القمة في التقدم والتطور في كل المجالات حتى وصل انتاج البلد من النفط الخام بحدود ٤ مليون برميل / يوم ثم توالت الانتكاسات والتراجع في القطاع خلال الحرب مع ايران وما تلتها من حروب متعاقبة وحصار قاسٍ ادى الى هجرة واسعة من القطاع واصابته بالتصحر في الكفاءات والقدرات، ولابد من التذكير هنا ان اكبر خطأ من السلطة آنذاك تكمن في وقف نشاطات شركة النفط الوطنية ودمجها في وزارة النفط والتي كانت في هيكلها الاداري عبارة عن مديرية وغير مؤهلة لاستلام وادارة مثل هكذا حجوم عمل. توالت ظواهر التراجع والانحدار بل والخراب في بعض الاوقات على القطاع وخاصة خلال فترة ما بعد التغيير وحصل ما حصل. ولكي نكون واضحين في الطرح فان قطاع النفط والغاز العراقي يواجه تحديات جسام في القريب المنظور ولا اعتقد انه بحالة تسمح لهبالتصدي للتحديات المقبلة التي تفوق قدراته الحالية .
صناعة النفط والغاز في العالم تتجدد بوتائر متصاعدة وتكنولوجيا متطورة وادارات مدنية وعلمية نحو التغييرات الجذرية في المجالات التالية:
أ- العمل بخطوات متسارعة للسيطرة على انبعاث الكاربون .
خلال عام ٢٠٢٥ التقديرات تشير باستخدام الهيدروجين الاخضر والازرق فيما يخص قطاع السيارات واللوموكوتيف وبنسبة تفوق ١٧٪ وهذا يعني التراجع نحو الطلب العالمي على النفط الخام.
ب- تقليص او الحد - قدر الامكان - من النشاطات في اكتشاف وتطوير حقول النفط.
ج- التقديرات الاولية تشير ان نمو الطلب على النفط في الاسواق العالمية يصبح اقرب الى الصفر وربما يتراجع .
د- كل التقديرات والمؤشرات تدفع في قطاعات الطاقة بالتركيز على ركائز الطاقة النظيفة والمتجددة واضافة الى التسارع والتعجيل في تطوير صناعة الغاز والبتروكيماويات.
هـ - اغلب شركات النفط العالمية وضعت خطط محكمة وجادة في التحول الى الغاز والطاقة والمتجددة وهذا بالضرورة يعني ان قطاع النفط سوف يشهد وضعاً مختلفاً خلال السنوات القليلة القادمة.
الوضع الحالي لوزارة النفط لايعطي الاطمئنان بوجود مؤشرات وخطط استراتيجية للتعامل مع ما هو آت، اضافة الى الاختناقات والاشكالات القائمة او الموروثة منذ ٢٠٠٣، واهمها :
- انسحاب الشركات من حقول جولات التراخيص.
- التاخير الخطر بل الكارثي في تنفيذ مشاريع استثمار الغاز .
- التاخير غير المقبول في رفع طاقة التصفية .
- غياب استراتيجية للعمل المستقبلي ومواكبة التطورات في الاسواق العالمية لتسويق وشراء النفط.
- تأخر كل الخطط الموضوعة قبل قرون عدة في انتاج النفط الخفيف بهدف توفير مجالات افضل تسويق مثل هكذا نفوط حيث تتخطى في الافضلية.
* مما جاء اعلاه، مضافا إلى عوامل كثيرة ومشعبة أخرى، يمكننا الاستنتاج أنه قد آن الاوان بان تتخذ إجراءات ادارية واسعة وشجاعة في مسار تطوير قطاع النفط والغاز العراقي.»؛ وذلك في تقديرنا يكون على النحو التالي:
اولاً- انبثاق اربعة شركات تشغيلية هي:
- النفط الوطنية - للنفط
- الغاز الوطنية - استثمار وصناعة الغاز
-التصفية الوطنية - تطوير وتشغيل قطاع التصفية
-الوطنية للبتروكيمياويات: خلق صناعة بتروكيماوية جديدة توسيع دائرة مساهمة القطاع في نشاطات النفط
ثانياً : وزارة النفط
تكون وزارة النفط كتلة واحدة مع وزارة الكهرباء في مكون جديد هو
(وزارة الطاقة) تتول وزارة النفط المهام التالية:
- الخطط الاستراتيجية في مجالات الاستكشافات النفطية والغازية
- التسويق
- وضع الخطط ومراقبة تنفيذها والاشراف عليها
- العمل وفق خطط مدروسة في مجالات الطاقات النفطية والمتجددة كافة
- تحديد معدلات الانتاج والتصدير وحسب المعايير المعتمدة ومحددات اوبك .
- التدريب والتطوير
- العلاقات الخارجية
-التنسيق والعمل المستديم مع وزارة الكهرباء بخصوص الامور التي تعم الطرفين
- امور اخرى
ثالثاً - لجنة الطاقة الوزارية
- تربط وزارة الطاقة افقياً مع لجنة الطاقة الوزارية برئاسة رئيس مجلس الوزراء
- تتولى متابعة ومراجعة نشاطات وزارة الطاقة
- تكون اجتماعاتها مجدولة ضمن برنامج عمل محدد وبواقع مرتين شهرياً.
مما جاء في ملخص السرد اعلاه فهل يتمكن العراق من دمل جراحه وهل يستطيع العطار اصلاح الخراب في ظل التحديات الكبيرة التالية:
- نمو مستوى سكاني عالي وبنسب متصاعدة وصولاً الى اعلى المستويات عالمياً بعد مصر وقد تصل خلال المستقبل المنظور والقريب الى مليون ولادة سنوياً .
- قطاع صناعي شبه معطل.
- قطاع زراعي وصل الى مستويات هشة.
- قطاع طاقة في وضع زوال وتراجع .
- قطاع الصحة وصل الى مستوى الانزلاق والتراجع والتخلف.
اخيرا؛ هذه رؤية عاجلة وسريعة لتصور الحلول التي ينبغي ان تراعى عاجلا كي لا تستفحل ظواهر انحدار الواقع العراقي الى وضع كارثي لايتمكن عنده من الاصلاح. إن رؤيتنا المنبثقة من معايشة تفصيلية في هذه القطاعات تبعث فينا الأمل بوجود حلول سريعة وممكنة إلا أن ذلك كله مرهون بتوفر النوايا الوطنية الصالحة والارادة الفاعلة الحقيقية.
هذا والله وراء القصد.
* خبير نفطي - وزير نفط سابق –
عضو برلماني حالي
جميع التعليقات 2
رائد احمد
حسنت النشر ونطالب بان يكون السيد عبد الجبار اللعيبي وزيرا للطاقة
مهند جاسم
ايجاز رائع جدا يجب ان يكون وزارة الطاقة العراقية