علي حسين
لم أستطع إكمال مشاهدة فيديو السيدة فاطمة البهادلي وهي تتحدث مع ابنها المقتول وتشكو مأساتها إلى الله، وتصرخ : اين العدالة يارب ؟ بعد أن عجزت الأجهزة الأمنية عن حمايتها، وتساءلت مع نفسي هل يعقل أن يعود العراق بعد كل هذه التضحيات وعشرات الآلاف من الشهداء وملايين المشرّدين إلى ان تتحكم به جماعات مسلحة تقلقها أصوات الشباب؟
وأنا أتحدث مع أحد الزملاء عن فيديو السيدة البهادلي، نبّهني إلى أن محافظ البصرة أسعد العيداني والذي يتولى أيضا رئاسة اللجنة الأمنية التزم الصمت وكأن الجريمة وقعت في الصومال أو أفغانستان، عندما يقرر القتلة أن يذبحوا شاباً في الذكرى الأول لمقتل شقيقه، عليك عزيزي المواطن أن تدرك أنك لا تعيش تحت ظل دولة لها مؤسسات وأجهزة أمنية، وإنما في ظل عصابات وجماعات، تجد أن قانونها أهم وأبقى من علم وقانون الدولة .
في هذه البلاد التي يتغنى ساستها ليل نهار بالديمقراطية، مضت عشر سنوات على مقتل هادي المهدي، حاولت فيها حكومة المالكي آنذاك التخلص من الجريمة بإشعال النار في سمعة الضحية وتشويه صورته.
عشر سنوات كاملة تفصل تراجيديا استشهاد هادي المهدي عن مأساة استشهاد علي كريم، نجل المدافعة عن حقوق الإنسان فاطمة البهادلي، على أيدي نفس الجماعات.. تغيرت أشياء كثيرة، راح المالكي وجاء العبادي، وجلس على الكرسي عادل عبد المهدي ولم يخرج منه إلا بمقتل أكثر من 700 متظاهر، وبقيت عصابات القتل كما هي تطارد كل من يختلف معها، لم تتغير أساليبها في ملاحقة الضحايا، وبقيت الجريمة تسجل ضد مجهول، لا ضد الجناة الذين يتباهون بجرائمهم.
لذلك يبدو غريباً أن تراق دماء نحو 700 متظاهر دون أن تهتز مشاعر الدولة ومعها ملايين العراقيين، بل على العكس لا يزال السيد عادل عبد المهدي يخرج على الناس يطالبهم بدعم الديمقراطية والذهاب إلى صناديق الاقتراع.
عندما نشاهد نواباً، يمثلون البصرة، وهم يحلفون بأغلظ الأيمان أنّ نشطاء البصرة عملاء لامريكا ولاسرائيل ، فإنك تجد نفسك في مواجهة سياسي لا يؤمن بأنّ لهذا الشعب قدرة على الاحتجاج، وغير معني بهموم الناس، ويصر على أنّ البصرة كان يمكن لها أن تنافس دبي، لولا المؤامرة الأميركية.. هؤلاء النواب وهم يسخرون من أبناء المحافظة ويحرضون على قتلهم، هل شاهدوا صورة السيدة فاطمة البهادلي وهي تشكو إلى الله مصيبتها؟.
كم هي محزنة أخبار هذه البلاد. إذا حدّثك أحد عن دولة القانون خامرك شعور بالسخرية. وإذا حدّثك عن العدالة، لم تستطع أن تضبط "عف....تك" وآسف للكلمة الأخيرة، لكني لم أجد غيرها تعبر عن الحال، الذي وصلنا إليه.