اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كلامٌ عاديٌّ جداً: من هم البرابرة

كلامٌ عاديٌّ جداً: من هم البرابرة

نشر في: 27 يوليو, 2021: 11:22 م

 حيدر المحسن

عندما نشرت مجلة سويسرية أنتولوجيا الشعر العالمي عام 1945 جاءت قصيدة «في انتظار البرابرة» في الصدارة، وحظيت بهذا التعليق: القصيدة لا تدلّ على شيء ما حدث وقت كتابتها، أو قبله، فحسب، بل إنها تظلّ -وستظل- تومئ إلى حقيقة إنسانية متجددة».

لكن أفضل وصف للقصيدة هو الذي رواه لي صديقي الشاعر عصام الحلّي، وما جرى معه مع السيدة والدته. كانت تنظّف حجرات البيت، وتعثرّت بكتيّب صغير لا يتماشى في الهيئة وفي الحجم مع ما في مكتبات ابنها الضخمة من كتب فاخرة التجليد، فسألته إن كان هذا زائدا عن الحاجة، وهمّت أن ترميه في سلة النفايات. هتف الشاعر متوسّلاً أمه، وشارحاً:

- ولكن هل تدرين يا أمي هذا الكتاب يعادل جميع ما لديّ في المكتبة!

الأم تنظر إلى الرفوف العديدة المثقلة، وتعود تنظر إلى الكتيّب، وتتعجّب. ماهو الكلام المنقوش في صفحاته؟ وتميل الكفّة في الميزان إليه، وكان الكتاب الصغير يحمل عنوان “مختارات من الشعر اليوناني” بترجمة جليل عطيّة، وفيه أول ذكر لقصيدة كافافيس “في انتظار البرابرة”.

من شعر كافافيس غير المنشور قصيدة عنوانها “متفرج غاضب” مكتوبة بإسلوب حوار يدور بين اثنين يحضران مسرحية هزلية مؤلفها شاعر روماني (هو تيرينس195 ق. م – 159 ق.م) كان يقتبس أعماله من الشاعر اليوناني ميناندر، ويشوّهها، وتُعرض بالتالي على الجمهور بطريقة تختلف كثيرا عن نصّها اليوناني. يطلب أحد المتفرجَين من الآخر البقاء حتى نهاية العرض، فيجيبه الآخر غاضبا:

«وغد، أنت تهينني / أهذه الكلمات التافهة | والأبيات الفجّة الطفولية تنتمي لميناندر؟ ، لقد أفسدك مناخ روما تماما | فبدلا من توجيه الانتقاد، تُطري وتهلّل | في جُبنٍ للبربري – ما اسمه؟ | جافرانتيوس تيرنيس؟”.

تاريخ كتابة النصّ هو 1893، أي قبل خمس سنوات من العام الذي اكتمل فيه تأليف القصيدة الشهيرة، ونقرأ هنا تعريفا للبربريّ جاء من صميم شعر الشاعر، فهو ليس وصفا مجردا، وكان وجوده ضمن قصيدة درامية أعطاه رنينا صادقا. فالبربريّ هو الشخص الروماني إذن، والذي يعيش عالة على إبداع اليونان، موطن الشاعر، ويقوم بتزييفه وطرحه على العامة. الوصف هنا ثلاثيّ الأبعاد، إذا صحّ التعبير، فهو نعت شامل إذن.

أول ذكر للبرابرة في كتب التاريخ كان عندما هاجم الكوتيون القادمون من جبال زاكروس إمبراطورية أكد وقاموا باحتلالها عام 2150 قبل الميلاد. يوجد شيء غامض في هذا، فكيف كانت أخلاق هؤلاء، ولماذا وصفوا بالبرابرة؟ لا شيء نعرفه على وجه التحديد؛ لكن الصفة التي أطلقها المؤرخون تقوم وحدها بتفسير كل شيء.

في اليونان القديمة استخدموا كلمة (بار..بار) للدلالة على أمم الأناضول، وفي عصر روما كانت المفردة تدلّ على غير الرومان مثل الجرمانيون، الكلت، الأيبيريون، الأمازيغ، البارثيين... وفي العصر الحديث استعملها الإغريق لوصف الأتراك بدلالة ازدرائية واضحة. وعندما قصف أسطول الإنكليز مدينة الإسكندرية بطريقة وحشية عام 1882 كان الناس يعتقدون أن الإنكليز جاؤوا باسم إعادة النظام إلى المدينة، ثم شاع وصف البرابرة لهؤلاء الغزاة الجدد، وكتبت صحيفة التأخيذ روموس اليونانية السكندرية بعددها الصادر في مايو 1891 أن يونانيي الإسكندرية يدينون الاحتلال البريطاني ويصفونه بعدم التمدّن والبربرية.

بالنسبة إلى كافافيس فإن تاريخ مدينة الإسكندرية السعيد يعود إلى زمن الحكم الإغريقي الوثني 300-200 ق.م تقريبا. ثم جاء الرومان وسيطروا على المدينة، وكتموا أنفاس الروح الإغريقية الخلّاقة، وجاءت بعد ذلك المسيحية، وحلّ الفتح الإسلامي أخيرا، والصراعات التي أعقبته أدت إلى أن تسود المدينة فترة ظلام قاتم كان الشاعر يعيشها بكل تفاصيلها يوما بيوم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. سلام عمْر

    عجيب ما كتب الكاتب عن البربرية، وربما هو محق، لكنه مخطئ 100% لأنه يذكر لفتات عن حوادث غريبة مرت قبل آلاف السنين، ويغفل العصابات التي تسيطر على مجتمعه، هل هذا تقية؟

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram