طالب عبد العزيز
في الفيلم ، الذي بثته القنوات التلفزيونية، والذي أظهر إعتراف أحد ضباط الشرطة، بالوقوف وراء مقتل الخبير الامني د. هاشم الهاشمي ارتكبت الجهات المعنية خطأين أو أكثر، ففي الوقت الذي كان جمهور العراقيين يتوقع من المتحدث الرسمي تعريف الجهة التي وقفت وراء ذلك، لكنها لم تفعل فـ (لغمطته) تكون قد أفسدت عليه صبر انتظاره، الذي طال، مؤكدة كذبها،
لذا راحت تشرق وتغرب بذكر وقائع حفظها الناس عن ظهر قلب، وخبروها منذ سنوات، وبذلك قدمت صورة مشوهةً عن السلطات الامنية، حين أعلنت بأن القاتل، هو أحد منتسبي وزارة الداخلية، ومن ثم شكل هذا إعترافا ضمنياً بان أجهزة الشرطة والجيش وبقية الصنوف الامنية الاخرى إنما هي اجهزة مخترقة، من قبل الاحزاب السياسية النافذة، وفيها من القتلة والمجرمين ما يكفي، وفي المحصلة إنها غير ضامنة لحياة الناس.
كان عليها أن تذكر الجهة التي وقفت وراء الضابط القاتل ومجموعته، إذ من غير المعقول ضلوع منتسب أمني بحادث جنائي تقليدي ضد شخصية معروفة، انشغلت الحكومة بقضيته عاماً كاملاً، بحثاً وتحرياً. ولم يكن المتحدث بلسان الأجهزة الامنية محظوظا، إذ لم يجد المشاهد بتعابير وجهه أبعد من الخيبة والحرج. الوضوح ومكاشفة الرأي العام من أهم اسباب نجاح عمل الشرطة، هذه أرواح مخلوقات إلاهية، وهناك قسم شرف مفاده حفظ حياة المواطن والدفاع عنه. الفيلم الهزيل تسبب بالاساءة الى جهاز الشرطة، أكثر مما عاضد عملها. لاحاجة بطولات كاذبة، فالوعي عند عامة العراقيين لا يسمح بتمرير اكذوبة مثل هذه. فلو أن الجاني تحدث عن دوافعه، او الجهة التي دفعت به، وهو جزء من دفاعه عن نفسه، في مثل حالات كهذه، لكنا أمام جزء ولو يسير من الحقيقة.
تنتفع الاحزاب المسلحة من خوف الحكومة، وتستمد بعضاً من نفوذها من الخوف ذاك، بما يجعل الاحزاب تلك متنمرةً على المواطن البسيط، الذي يلجمه رعبه منها، فهو بين نارين ، (صمت وضعف وجبن الحكومة وقوة وقدرة الاحزاب على التنكيل به) وبذلك تكون قد خلقت من خورها وضعفها مواطنا مرعوباً، جباناً، فاقدا للثقة بها، لا يجد سبيلا امامه سوى الالتجاء الى جهة مسلحة لحمايته(الحزب المسلح، أو العشيرة القوية) بعد يئسه من الاجهزة الامنية الحكومية، التي لم يعد يعرف قاتله بين منتسبيها - والصورة بعامة لا تُسرُّ- بعد أن تُرك المنتسب الامني الشريف اعزلَ، مكشوف الظهر، وقد رأي وتلمس هيمنة وتسلط المنتسب المنتمي الى الاحزاب المسلحة، عليه، وصمتَ القضاء أو عدم قدرته على المواجهة.
إذا كانت الجهات الامنية تعتقد بانها تستفيد من التستر على الجهة تلك، بانتظار اللحظة المناسبة فهذا مما يُحسب لها، وله ما يبرره، ، لكن في النهاية ما الفائدة من إخفائها الحقيقة، والشعب كله يعرف ويسمي الجهات القاتلة باسمائها ؟