علي حسين
لو أن حفلة تعذيب مواطن وقتله بدم بارد في مركز مكافحة إجرام البصرة تمر، من دون عقاب صارم لمنفذيها، فقد لا نستبعد أن تتحول مراكز الشرطة إلى دوائر تنفيذ الأحكام بحجة أن شرطتنا المغوارة تريد الحفاظ على السلم الاجتماعي، تنفيذ القانون على طريقتها الخاصة .
الخبر الذي نشرته وسائل التواصل الاجتماعي يقول: إن شابا من أهالي البصرة اسمه، "هشام محمد" تم اعتقاله لتشابه اسمه مع اسم شخص آخر متهم بجريمة قتل، ولأن الشرطة لا مجال عندها للبحث عن الحقيقة، فإن أقصر الطرق هو إقامة حفلة تعذيب حتى يلفظ هذا المشتبه به أنفاسه.
ما بين بيان شرطة البصرة التي أخبرتنا أنها ستحقق في الأمر، وبين بشاعة القصاص من سجين، تعيش الناس اليوم في ظل أفراد وأجهزة يعتقد كل منهم أن له الحق في تنفيذ قانونه الخاص، قد تكون هناك جرائم تستحق العقاب، لكن المؤكد أن العقوبة يجب أن تأتي بأمر من القضاء، لا بأمر من ضباط يعتقدون أنهم فوق القانون وفوق الشرائع، عندما يصر البعض على تنفيذ قانونه الخاص، فأغلب الظن أننا ننجرف إلى هاوية لا نهاية لها.
لعل الأخطر في واقعة تعذيب السجين وموته، ليس أن أفراداً من الشرطة قرروا أن يكونوا هم الدولة وهم القانون، بل هو صمت محافظ البصرة أسعد العيداني الذي يبدو أنه يعيش في كوكب آخر.
اليوم الناس تعيش في ظل أجهزة أمنية هي عبارة عن خلطة منتقاة من تم تعينها باوامر من جهات حزبية ، ولهذا نجد ولائها للهذه الاحزاب وليس للقانون ، كما ان مؤهلات البعض من قوانا الأمنية مجموعة من العبارات المحفوظة في علب قديمة من عينة "وين رايح"، "الأخ من يا عمام"، فتشعر أنهم جميعاً، يرددون هتافاً واحداً، ويرتدون ثوباً واحداً، وفي يد كل منهم عصا غليظة يخرجها في اللحظة التي يشم فيها رائحة اختلاف مع ممارساته اللاشرعية.
لقد عملت البشرية منذ عقود على اختراع اسمه الدستور الذي هو عقد اجتماعي بين المواطنين جميعاً، ينتقل من خلاله المجتمع من حالة الفوضى واللاقانون، إلى حالة النظام والتحضر والعدالة التي تطبق على الجميع، وهذه هي الضمانة الوحيدة لاستمرار الحياة، ومن دون ذلك سيتحول المجتمع إلى غابة يفرض فيها القوي قانونه الخاص على الضعفاء.
قبل اشهر قررت ولاية مينيسوتا الأميركية دفع مبلغ وقدره "27 مليون دولار" تعويضاً لعائلة جورج فلويد.. وأتمنى عليك، عزيزي القارئ، ان لا تطالب محافظ البصرة بان يدفع تعويضا لعائلة المقتول .. فقط ان يخرج علينا يستنكر مثل هذه الجرائم ويدين ما يجري في محافظته من جرائم وعمليات نهب .. وذلك اضعف الايمان .