غليب ايفانوف*
ترجمة: عادل حبه
1-2
«باربودوس تعني” الثوار الملتحون. لقد تمت صياغة المصطلح لوصف القوات المتمردة للثورة الكوبية. “دخل رجال ملتحون وخرجوا من مكتب سيينفويغوس، وكانت البنادق تقذف للخلف وللأمام».
كانت موجة الاحتجاجات في كوبا من أبرز الأحداث التي وقعت في شهر تموز، والتي اتضح أنها الأكبر في هذا البلد منذ عام 1994. قبل ذلك، هزت الاضطرابات فنزويلا الاشتراكية، وهُزمت القوى اليسارية في الانتخابات في الأرجنتين وأوروغواي والبرازيل، وأجبر على ترك منصب حتى إيفو موراليس زعيم بوليفيا على المدى الطويل. وطرح موقع “ حجج وحقائق” الروسي على مدير معهد أمريكا اللاتينية الأكاديمية الروسية للعلوم ديمتري فياجيسسلافوفيتش رازوموفسكي السؤال التالي:
ما الذي يحدث في كوبا، لقد شهدت كوبا احتجاجات منذ عام 1959، ولكن لماذا إندلعت هذه الأحداث الآن؟
ديمتري رازوموفسكي: من الصعب للغاية إيعازها إلى سبب واحد. في رأيي، إن الاحتجاجات الكوبية هي حالة عاصفة مثالية تحصل عندما تتوفر ثلاثة عوامل: النتائج المتراكمة للأزمة الاقتصادية، وبشكل أساسي بسبب العقوبات الأمريكية، والقيود التي فرضت على السياحة بسبب فيروس كورونا حيث انخفضت عائدات الميزانية جراء ذلك بأكثر من 10 مرات، من 5-6 مليار دولار في 2018 إلى 200 مليون في النصف الأول من عام 2021. وانهيار إحدى محطات الطاقة الحرارية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي في عدد من مناطق كوبا. وأثار الحدث الأخير احتجاجات في مدينة سان أنطونيو دي لوس بانوس، ثم في جميع أنحاء البلاد.
ويعتمد سكان الجزيرة على الكهرباء بسبب ندرة الطعام، فإن الاحتفاظ به في الثلاجة هو وسيلة لبقاء الأسرة على قيد الحياة. وإذا لم يتوفر الكهرباء ويتدهور حال الغذاء، فستكون الأسر على شفا كارثة إنسانية. في غضون ذلك، وبسبب أزمة الوقود في فنزويلا التي كانت المورد الرئيسي لموارد الطاقة الرخيصة لكوبا، تعاني الجزيرة من مشاكل تأمين الوقود لمحطات الطاقة. ونتيجة لذلك، فإن العديد منها لم يعد يعمل بكامل طاقته. لكن في الوقت نفسه، ضمنت السلطات دائماً عدم ترك القطاع السكني بدون كهرباء. ولم تشهد البلاد حالة من هذا القبيل في كوبا كما هو الحال في فنزويلا.
ومع ذلك، جرى حادث في محطة حرارية لتوليد الطاقة. ولم تعد الطاقة المنتجة في جميع المرافق كافية، واضطرت السلطات إلى قطع التيار الكهربائي عن المباني السكنية حتى لا تفقد المستشفيات حاجتها من التيار الكهربائي. وعاش المواطنون الكوبيون بلا ضوء ولا كهرباء. ويضاف إلى ذلك مشاكل أخرى، حيث عانت الجزيرة من أزمة اقتصادية لفترة طويلة، ونتيجة لذلك نزل الناس إلى الشوارع إحتجاجاً على تردي أوضاعهم.
لقد كان من الواضح أن هذا الاحتجاج كان عفوياً في البداية. ولم يتم إعداد أي لافتات أو ملصقات، وفي أحسن الأحوال تمت كتابتها على عجل. وكانت معظم المطالب ذات طابع إنساني: “نريد طعاماً، لا نريد ثورة”. وفي وقت لاحق، عندما إمتد الاحتجاج إلى20 مدينة، بدأت الشعارات السياسية بالظهور، ثم برزت إلى الواجهة. ومع ذلك، لم يكن هذا هو الحال في البداية.
ما سبب الأزمة الاقتصادية في كوبا؟
- تعمقت الأزمة جراء تشديد ترامب العقوبات الأمريكية الحادة والقاسية ضد كوبا في عام 2019. ولهذا السبب، في نفس العام، بدأ الناتج المحلي الإجمالي لكوبا في الانخفاض. وتسارع ذلك في عام 2020 بسبب جائحة فيروس كورونا.
لقد خفضت العقوبات التي اتخذها ترامب بشكل حاد من المساهمات التي يمكن أن يرسلها المهاجرون الكوبيون إلى أوطانهم. وإضافة إلى ذلك، فإن العقوبات التي ألغاها أوباما أو قلصها، أعيد العمل بها إلى أقصى حد. و أدى هذا بدوره إلى انخفاض كبير في تدفقات رأس المال من أوروبا. أخيراً، تم تشديد القيود على التجارة مع كوبا. ونتيجة لذلك، انخفض تدفق العملات الأجنبية إلى البلاد بشكل كبير. ولم تتمكن كوبا من استلام البضائع التي تعتمد عليها على الواردات. وإضطرت السلطات الكوبية إلى إجراء إصلاح مؤلم للعملة، مما تسبب أيضاً في إثارة الاستياء لدى السكان.
كما لعب وباء كوفيد - 19 دوراً سلبياً أيضاً. حتى وقت قريب، كان حجم الوباء محدود على نطاق الجزيرة. ونجت كوبا من الموجتين الأولى والثانية من العدوى تقريباً. كان معدل الوفيات النسبي من فيروس كورونا من أدنى المعدلات في العالم - 0.6 ٪، وهي نسبة أقل من معدل الوفيات الناجمة عن الأنفلونزا الموسمية في أي بلد. وتمكنت كوبا من تطوير العديد من اللقاحات الخاصة بها وبدأت في التطعيم. وبحلول نهاية العام، خططت السلطات لتطعيم جميع المواطنين. وسار كل شيء على ما يرام، لا سيما بالمقارنة مع دول أخرى في المنطقة.
لكن في حزيران، فتحت كوبا أبوابها من جديد للسياح، بما في ذلك السياح الروس. وبدأت موجة من الإصابات، من 8 إلى 10 آلاف شخص يومياً. ويعد ذلك بالنسبة لكوبا التي يبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة، أعداد ضخمة. وقد ساهم ذلك أيضاً في إندلاع موجة السخط.
حدثت أكبر الاحتجاجات بعد رحيل راؤول كاسترو عن السلطة، آخر ممثل لثورة الملتحون (باربودوس). فهل هذه مجرد صدفة؟
- نعم، ربما لا يتمتع الرئيس الحالي ميغيل دياز كانيل بالسلطة التي كان يتمتع بها الجيل السابق من الثوار الكوبيين. يمكنك أن تتذكر كيف أنه في التسعينيات، عندما واجهت كوبا صعوبات هائلة بسبب انهيار الاتحاد السوفيتي، تواصل فيدل كاسترو مع الناس شخصياً، وقام بشرح المشاكل للناس وصدقوه. كانت سلطة القائد آنذاك عاملاً هاماً من عوامل الاستقرار.
إن ميغيل دياز كانيل لا يملك مثل هذه القدرة حتى الآن. لكن من المهم ملاحظة أنه توجه على الفور إلى سان أنطونيو دي لوس بانوس، المدينة التي بدأت فيها الاحتجاجات. ولم يختفي عن الأنظار، وتواصل مع السكان المحليين. في هذا الصدد، كان مخلصاً للسياسة التي اتبعها الأخوان كاسترو.
لكن ربما لم تفعل السلطات الكوبية بما يكفي الآن. يوهناك إعتقاد بأنه كان ينبغي عليها بذل المزيد من الجهود لشرح أسباب المشاكل التي نشأت للسكان في مجال إمدادات الطاقة وإصلاح العملة. لقد إعتاد الشعب الكوبيون على الصعوبات وشد الأحزمة. إذا كان جوهر ما كان يحدث واضحاً وصريحاً لهم، فأعتقد أنه بالنسبة للكثيرين سيكون عاملاً مخففاً.
بدأ باراك أوباما التقارب مع كوبا وأوقفه ترامب وأعاد فرض العقوبات. لماذا أراد أوباما تحسين العلاقات مع الجزيرة؟ وماذا سيحدث في عهد بايدن؟
- في الولايات المتحدة، منذ الستينيات، كان هناك نهجان تجاه المشكلة الكوبية. الأول هو موقف “الصقور” القائم على ضرورة الضغط على الجزيرة “المتمردة”. ولقد تم الضغط بهذا الإتجاه من قبل الشتات الكوبي في الولايات المتحدة، المرتبطين ارتباطاً وثيقاً بالجناح المحافظ للحزب الجمهوري في الولايات المتحدة. إنهم يدافعون عن أقصى درجات الإجراءات الصارمة والخنق الاقتصادي والإطاحة بالنظام الحالي في هافانا في نهاية المطاف.
لكن كان هناك دائماً موقف ثان، الجناح “البناء”. وهؤلاء هم في الأساس الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي واللوبيات الصناعية التابعة له، وعلى سبيل المثال، الزراعية أو الصيدلانية، وكذلك مشغلي الرحلات البحرية الكبيرة. لقد دافع هؤلاء دائماً عن تخفيف نهج واشنطن والحاجة إلى إقامة تعاون تجاري واقتصادي مع الجزيرة. وتعد كوبا، من وجهة نظرهم، سوقًا كبيراً، ومن الخطيئة الابتعاد عنها. واعتمد أوباما على هذا الجناح في فترة رئاسته. وبفضل هذا، كان من الممكن الانتقال إلى سياسة بناءة. إذ كان هذا مفيداً جداً للشركات الأمريكية التي بدأت في التوسع في السوق الكوبية.
لقد وعد بايدن خلال الحملة الانتخابية بإعادة سياسة أوباما للتطبيع مع كوبا. ربما كان يريد الدخول في مفاوضات حول تطبيع جديد من شأنه أن يقوي موقفه، على قاعدة كلما ضعف العدو زادت تنازلاته الممكنة. أو ربما تم التوقف بسبب انتخابات الكونجرس النصفية المقبلة في عام 2022. ويدرك بايدن أن إتباع سياسة أكثر صرامة ضد كوبا ستقلل من الدعم الذي يتلقاه من الديمقراطيين اليساريين. وإذا ما تصرف على العكس من ذلك، فإن هذا سيهدد بفقدان الأصوات المؤيدة له في ولاية فلوريدا، حيث يعيش عدد كبير من الكوبيين في الشتات. لذلك، من المفيد الآن أن لا يتخذ بايدن أي إجراء.
وماذا عن روسيا؟ ما هو حجم تعاوننا مع كوبا الآن؟ هل هناك مصلحة لنا في الجزيرة؟
- بالطبع، ليست هناك حاجة للحديث عن العودة إلى النطاق السوفيتي للتعاون. كانت كوبا الشريك التجاري الرئيسي لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في نصف الكرة الغربي بأكمله. هذه الشراكة التي تعد أكثر أهمية من الولايات المتحدة من جميع دول أمريكا اللاتينية مجتمعة. بالطبع، هذا سوف لن يحدث.
أعتقد أن السياسة الروسية في العقود الماضية فيما يتعلق بالجزيرة كانت بناءة للغاية، بالنظر إلى أنه كان من الممكن الاتفاق على إعادة هيكلة ديون بمليارات الدولارات. كان هذا إلى حد ما شكلاً من أشكال دعم الكرملين لهافانا. ولعبت روسيا دوراً نشطاً في مشاريع البنية التحتية في قطاع الطاقة وفي بناء السكك الحديدية.
لسوء الحظ، فإن تجارة اليوم مع كوبا ليست كبيرة. لقد جرى الحديث كثيراً عن الحاجة إلى زيادة الإمدادات المتبادلة، لكن هناك عدداً من الصعوبات الناجمة عن العقوبات. وتفاقمت مشكلة التسويات المتبادلة. بالنسبة للشركات الروسية التي عملت مع الكوبيين، فهذه مشكلة كبيرة، لأنها خسائر وخسائر مالية. نحن نبحث عن خيارات مختلفة مقبولة لكلا الطرفين. على أي حال، نحن مصممون على الدعم، ولكن مع الأخذ في الاعتبار الفرص الموضوعية التي لدينا الآن.
عندما نتحدث عن أمريكا اللاتينية، يجري في الإتحاد السوفييتي على الفور، تخيل الشخص الثوري الملتحي ببندقيته الآلية في الغابة (البربودوس). ومع ذلك، لم نعد نسمع الآن بطريقة ما عن الكفاح المسلح من أجل التحرير في تلك الأماكن. وتغادر الأنظمة اليسارية المشهد السياسي تدريجياً. هل العصر الثوري في هذه المنطقة من العالم أصبح أخيراً شيئًا من الماضي؟
- إن تطرف الحركة الثورية في منتصف القرن الماضي، عندما تم تشكيل مثل هذه الحركات المسلحة على نطاق واسع، لم تحقق شيئاً. وأصبحت الحركة البيرونية سينديرو لومينوسو وتوباماروس في أوروجواي والمونتونير الأرجنتيني كلها في الماضي. ولم تعد الرومانسية الثورية التي نشأ عليها العديد من مواطنينا ذات صلة بأمريكا اللاتينية.
إن مواجهة الجماعات اليسارية مع الحكومات، أو في بعض الحالات، مع المنظمات العسكرية اليمينية هي خصوصية حقبة الستينيات والسبعينيات. وتبعتها في العديد من البلدان موجة من الأنظمة العسكرية التي وصلت إلى السلطة. وفي نهاية الثمانينيات، بدأت في وقت لاحق عملية التحول الديمقراطي التدريجي في عدد من البلدان (تشيلي، الأرجنتين، أوروغواي)، وتحديداً في 2000. ووصل اليسار إلى السلطة ولم يعد مسلحاً، بل ديمقراطياً، من خلال الانتخابات في العديد من البلدان. كما هو الحال، على سبيل المثال، في تشيلي. كما تغير العداء التقليدي بين اليسار وبين الجيش في كثير من البلدان. فاليوم من الصعب بالفعل تخيل أنهم، أي العسكريون، يلعبون ذات الدور في سياسات دول أمريكا اللاتينية الذي لعبوه في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، عندما قاموا بتدبير الانقلابات العسكرية. كان ذلك ردهم على النزاعات الداخلية، بما في ذلك النزاعات العنيفة. وحدثت كل هذه الانقلابات العسكرية تحت شعار الدفاع عن الوطن في مواجهة الماركسيين، ومثال ذلك وصول بينوشيه إلى سدة الحكم في تشيلي. فقد تراجعت الآن راديكالية النضال السياسي عند كلا الجانبين.