جمال العتابي
قبل ان تكون جريدة، كنت أنتظر وجه(المدى) الأنيق، بعد ان تسربت لي المعلومة ان مجلة بهذا العنوان صدرت في الشام أعوام التسعينات، كانت دهشتي لا توصف، حين استطاع احد الاصدقاء، بمغامرة ذكية، من تهريب اعدادٍ منها إلى الداخل، مع مجلة (النهج)، كدت أطير بلا خوف، ولاحذر، وانا أتصفح الاعداد، وكأني في ليلة عيد،
منذ ذلك التاريخ، وأنا اتابع نشاطات (المدى)، وهي تحمل لنا الزهر عبر حقائب السفر، لأول وهلة، كنت أتأمل ذلك التشكيل المدهش لترويسة(المدى)، هذا التكوين والإنسيابية في امتداد الحروف، في نهاياتها، وتكوراتها، مثل أم تحنو على طفلها الرضيع، بإنسجام ووحدة، في كتلةمتينة راسخة ممتدة في عمق الوعي الجمالي للحرف.
وفي أول الخطوات ، بعد أن دخل الغزاة جلودنا، وإحتشدوا على أبوابنا، إلتقت نخبة من الصحفيين والمثقفين، بعضهم عاد تواً الى بلده العراق بعد عقود من النفي والإغتراب، وفي المقدمة مؤسس المشروع فخري كريم، لمناقشةإصدار (المدى) كجريدة في بغداد، كنت حاضراً ومساهماً في الآراء والأفكار والمقترحات، التي وضعت الأسس لمنهج الجريدة، وتوجهاته السياسية والفكرية والثقافية، وعلى الرغم من انني لم أكن ضمن هيأة التحرير، لتكليفي بمهمة ادارية في وزارة الثقافة، إلا انني لم انقطع عن الكتابة في صفحاتها، والمشاركة في أغلب فعالياتها ونشاطاتها الثقافية، منذ صدورها الأول ولغاية الوقت الحاضر.
كانت الجريدة وما تزال أمينة على نهجها المهني، والسياسي، والثقافي، ملتزمة بإستقلاليتها، غير منحازة، لحزب أوجهة سياسية، لكنها منحازة للبناء والتقدم، وحرية الإنسان، تقف الى جانب العدالة الاجتماعية، في المجتمع العراقي، موقفها ثابت في مناصرة الشعوب ضد الظلم والقهر والإستلاب، والفساد والخراب، ان منهجاً بهذا الوضوح، لا يمضي نحو تحقيق غاياته النبيلة، دون ان ينال منه الخصوم، بين الحين والآخر، في الإتهام والتشهير، لنهج الجريدة، أو لكادرها، ربما يكمن السبب في نجاح الجريدة، أن تحتل الموقع المتقدم بين الصحف العراقية، وما تزال دون تراجع.
لذلك أقول ان أية محاولة، لإيقاف المشروع، ومن أيةجهة كانت، ولأسباب مبهمة، يعني خسارة كبيرة لتجربة ثرية، متوهجة، عميقة الأثر، كبيرة المغزى.