لطفية الدليمي
الإحتفالُ السنوي بتأسيس صحيفة المدى هو بالنسبة لي إحتفالٌ شخصي حميم . ليس هذا من قبيل المجاملات البروتوكولية المعهودة بقدر ماهو حقيقة أتعاملُ معها كل عام . ثمّة سببان على الأقلّ يقفان وراء هذه الحقيقة :
الأول : صارت المدى منذ قرابة إثنتي عشرة سنة تمثّلُ لي نوعاً من الرفقة اليومية التي أتعامل معها سواءٌ في متابعة منشوراتي فيها أو في إعداد ماسيُنشرُ لي فيها ؛ إذ كما يعلم القرّاء الكرام أنا أكتبُ في المدى مقالة أسبوعية يوم الأحد ، وكذلك مادة ثقافية طويلة مؤلفة أو مترجمة يوم الأربعاء ، ومعلومٌ أنّ المداومة والإنضباط والاستمرارية في الكتابة لصحيفة يومية على مدى سنوات طوال يخلق انتماء وثيقا لأسرة عزيزة ويرسخ حميمية مباشرة تكرس الكاتب مَعْلَماً من المعالم الدالة لتلك الصحيفة ؛ ولعلّ هذا هو السبب في أنّ صحفاً عالمية وعربية تحرصُ على نشر مواد يومية أو أسبوعية على نحو منتظم لبعض الكُتّاب ليكوّنوا بصماتٍ ثقافية في تلك المطبوعات .
الثاني : ترسّخ لديّ بفعل الكتابة في المدى معنى “ الإنضباط “ المهني في العمل . كنتُ قبل الكتابة في المدى أكتبُ في صحف ومجلات عديدة ، وكانت كتابتي فيها في الغالب تنحو منحى المساهمة الشهرية أو النشر المتقطّع ؛ لكنما في المدى صار الإلتزام على نحوٍ يومي تقريباً ، وقد أفادني هذا الإلتزام في تأكيد الأهمية الستراتيجية للزمن و استثماره إلى أقصى المديات الممكنة للقدرات البشرية الخلاقة من جانب ، ولقيمة الحرية اللامحدودة المتاحة لي فيما أكتبه وأترجمه للمدى من جانب آخر ، ولعلّ القارئ المتابع لمسيرتي الثقافية سيشهدُ مصداق كلامي في الفورة الكبيرة التي طرأت على أعمالي المؤلفة والمترجمة المنشورة في دار المدى . الرواية وحدها تبقى عندي غير خاضعة لتسونامي النشر لأنّها تظلّ ميدان بحث وتنقيب معرفي حثيث هادئ وصبور .
لاينبغي في هذا المقام ونحنُ نحتفي بعيد المدى – الصحيفة أن نتغافل عن المدى المؤسسةو دار النشر ؛ فهي الأمّ الحاضنة التي تنبثق منها كلّ البركات الطيبة من أصدارات رائعة جعلتها تقف في الصف الأول لدور النشر الطلائعية في الفضاء الثقافي العربي .
دامت المدى الصحيفة والمؤسسة ، وطابت بالخير والصحة أعمارُ رئيسها وكلّ العاملين الطيّبين فيها .