ثائر صالح
تتوقف الحياة الموسيقية في القاعات خلال العطل الصيفية في أغلب البلدان، بالمقابل تكثر النشاطات الموسيقية الخارجية مثل المهرجانات الصيفية وورشات العمل والمؤتمرات والدورات التعليمية الخاصة التي يقيمها كبار الفنانين وغيرها.
يرتبط بعض هذه النشاطات بالسياحة، خاصة المهرجانات الشهيرة مثل مهرجان فاغنر في بايرويت (بافاريا – جنوب ألمانيا) أو مهرجان زالتسبورغ الصيفي أو مهرجان آيكس- أن – بروفانس في جنوبي فرنسا لتجذب الآلاف من السواح أحياناً، بالمقابل هناك مهرجانات ونشاطات محلية متواضعة لا يحضرها سوى عدد قليل من المهتمين. كانت أيام الموسيقى القديمة نشاط صغير من الصنف الأخير، وقد سنحت لي الفرصة لحضور بعض حفلاته في مدينة مجرية عزيزة علي، هي مدينة فسبريم الصغيرة التي قضيت فيها سنوات خمس للدراسة في جامعتها وحصلت على شهادتها في العام 1986.
اعتادت هذه المدينة الجميلة إقامة نشاطات صيفية ثقافية على الدوام لقربها من بحيرة البالاتون أكبر بحيرة مجرية وهي مركز سياحي هام، فتتحول ساحة قلعتها التي تقع أمام كاتدرائيتها القديمة إلى مسرح صيفي تقديم عليه الأعمال الفنية المسرحية والموسيقية، وكنت قد حضرت فعالياتها للمرة الأولى سنة 1979 فور وصولي المجر للدراسة.
أيام الموسيقى القديمة هو مهرجان حديث العهد إذ بدأ سنة 2013 بمبادرة من فرقة اورلاندو، وهو الموسيقي الشهير اورلاندو دي لاسّو (1532 - 1594) أحد أهم الموسيقيين الفرانكو-فلمنديين. وقع المهرجان هذا العام بين 18-26 تموز الجاري في موقعين، أحدهما كنيسة قديمة مهجورة وغير مكتملة تقع في وادي الجدول الذي يخترق المدينة، والثاني هو واحدة من الكنائس القديمة المهمة التي تقع على بحيرة البالاتون (وهي كنيسة تابعة لدير قديم عثر فيه على أقدم نص باللغة المجرية).
افتتح المهرجان بأعمال غنائية من اسبانيا وإيطاليا ألفها موسيقيون مجهولون عثر عليها في مخطوطات مختلفة تعود الى القرون 13-15، تلتها امسية لموسيقى اسبانيا وإيطاليا وانكلترا شكلت حلقة الوصل بين عصر النهضة والباروك، بينما خصصت الأمسية الثالثة للأعمال الغنائية التي استندت إلى أشعار العبقري الإيطالي فرانشيسكو بتراركا (1304 – 1374). من الأماسي المهمة حفلة فرقة كونشرتو آرمونيكو التي أسسها عازف الهاربسيكورد المجري الشهير عالمياً ميكلوش شباني، وهو متخصص بالموسيقى القديمة وسبق له تسجيل كل أعمال كارل فيليب إيمانويل باخ المكتوبة لأدوات المفاتيح. كانت هذه أمسية متخيلة لواحدة من امسيات مقهى تسيمرمان في لايبزيج حيث اعتاد موسيقيو المدينة تقديم أعمال موسيقية مختارة أيام تلمان وباخ اللذان قادا الفرقة على التوالي. وجاء البرنامج ليعكس ذلك فقد قدمت أعمال فيفالدي وكارل فيليب إيمانويل باخ وهندل.
الأمسيات التالية خصصت لتقديم أعمال الإنكليزي جون دولاند (1563 – 1626)، ولفرقة باخ كونسورت، تلتها أمسية لنفس الفرقة مع المجموعة الغنائية التي أسست المهرجان، فرقة اورلاندو لتقديم عملين مهمين من أعمال هاينريش شوتس وديتريش بوكستهوده، ولموسيقى التشيلو في مملكة نابولي من القرنين 16-17 قبل أن يختتم المهرجان مساء يوم 25 تموز بحفل لعازفي تشيلو ماهرين من فرنسا.