طالب عبد العزيز
ثلاثة أرباع القرن تفصل بين فوز الجميلة (رينيه دنكور) ملكة جمال مملكة العراق، لسنة 1947 وبين الجميلة جداً (ماريا فرهاد سالم) ملكة جمال جمهورية العراق لسنة 2021. وبينهما فوز شيماء قاسم في المسابقة التي اقامتها مؤسسة المدى للاعلام والثقافة والفنون عام 2015 .
زمن طويل، ومنقلب اجتماعي وسياسي وثقافي تعددت صوره، واختلفت الوانه. في مثل مممارسة حضرية كهذه، هل بإمكاننا أنْ نسأل السؤال التقليدي جداً: ترى، أكان العراق في العام 1947 مؤهلاً لمثل مسابقات الجمال والاناقة؟ وحال البلاد بواقعها آنذاك يقول: بانها كانت ترزح تحت نير الفقر والتخلف والامية؟ والانكى من ذلك كله وأمر، أننا لا نجد الحرج في السؤال ذاته اليوم، فأحوال البلاد ما زالت كما هي، إذ كل شيء عاد بنا الى ما كان عليه، فلا منعطف يشي بتتغير في الحياة العراقية، اللهم إلا من نهر الزمن، هذا الذي لم يستطع أحدٌ على منعه من الجريان.
ها، نحن أزاء تأريخَين بعيدَيَن، الاول متصل بالعقد الاول من تأسيس الدولة العراقية، والثاني منفصل عن وجود الدولة العراقية، الاول جديد وقابل للاستمرار والنهوض، والثاني مرتكس ومتوقف وآيل للسقوط. لكنَّ أي معاينة للزمن ذاك، كانت تشير الى ما هو ممكن التحقق، فالتحولات المدنية آخذة طريقها، والحواضر العراقية(بغداد والموصل والبصرة وكركوك) تتحرك باتجاه وجدود جديد، ينسجم مع ما يحدث في العالم، لِمَ لا وقد انتهت الحرب العالمية الثانية، بانتصار معسكر الحرية والسلام، وأصبحت أوربا قِبلة العالم في الفكر والنمو الاقتصادي والثقافي، حتى ليبدو أنَّ كل ما يتصل بالحياة إنما يستمد قوته من عنصري الحرية والمدنية.
مع أنَّ تنظيم مسابقة الجمال التي جرت في العام 1947 كانت من فعل رجل الاعمال، والتاجر المعروف نعيم دنكور(يهودي) ابن عم ملكة الجمال رينيه، والذي تزوجها فيما بعد، حتى ليبدو الفعل شخصياً جداً، إلا أنها بدت لنا شبه منخلعة من واقع آخر مختلف، وقادمة من عالم لا يمت بصلة الى عالم العراقيين الذي نراه ونقرأ عنه، وهنا، لسنا بوارد التقليل من شأنها، فقد كانت ممارسة جميلة، كذلك نرى في المسابقة الاخيرة، التي أقيمت في كردستان، وتم بموجبها اختيار ملكة جمال العراق للعام 2021 أبداً، وهي ايضاً من اعمال المدنية الاستثنائية اليوم، لكننا، نجد أنَّ الهاوية التي أوقعنا فيها أعمق، بل واعمق بكثير، مما كانت لدى العراق قبل ثلاثة ارباع القرن، فالواقع يشير الى كل ما هو متخلف، وغير منسجم، بفعل ما قامت به داعش في الموصل وسهل نينوى، وما تقوم به الاحزاب الشيعية والمليشيات في الوسط والجنوب من تشدد وتضييق في الحريات الدينية والشخصية.
ما لم يتمكن الانسان العراقي من تأسيس حياته على وفق معايير الوطنية والحق في العيش الكريم بعيداً عن التطرف والتشدد، وما لم يشعر بآدميته كاملةً، ما لم يتكفل القضاء العراقي بحقه في استرداد ما ضاع من امواله ومدنه ومستقبله سيكون كل فعل من قبيل مسابقات الجمال فعلاً عائماً ولا يجد في الحياة العراقية ما يمده بنسغ الوجود والاستمرار.
جميع التعليقات 3
عدي باش
بعض مظاهر (التمدن والتحضر) الخجولة ، لا تعكس واقع مجتمعنا ،
عدي باش
بل هي ممارسات نخبوية بأمتياز ، لذلك لا يمكن إعتمادها كمعيار
عدي باش
(حضاري) يستحق الإشادة به أو التأسف عليه ل(فقدانه) !!!