TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > اوراق: حكاية الأقوال فـي كتابة السرد

اوراق: حكاية الأقوال فـي كتابة السرد

نشر في: 1 يونيو, 2010: 05:06 م

 محمود عبد الوهابيبدو أن مصطلح "حكاية الأقوال" الذي جاء به جيرار جينيت، وشاع استعماله,في حدود ضيقة في النقد الحديث، أصحّ دلالةً من مصطلح "الحوار"، فالحوار يعني كلاماً بين اثنين أو أكثر، يجري غالباً على أرض الواقع اليومي، غير أنّ حكاية الأقوال مصطلح ينتسب إلى نصّ إنشائي تخييلي,
 لكنني سأُبقي استعمال مصطلح الحوار في ما اكتبه الآن,لشيوعه وانتشاره في الدراسات النقدية.قرأتُ ، مرةً لفرانسوا ساغان، الروائية الفرنسية المعروفة، ما كتبته عن قدرتها على إجراء حوار في رواياتها من دون أن تلجأ إلى أفعال القول "قال، يقول"، أو مرادفاتها مثل "ردّ، أجاب، همس"، ما ألِفَ الروائيون استعماله قبل كلام المتحاورين، وعلى الرغم من أن هذا الاكتشاف جاء متأخراً من روائية مرموقة مثل ساغان، لكنّ كلامها ينطوي، في جوهره، على دلالة ذات أهمية تتعلق بآليات السرد وتقنياته، وليس بعيداً أن نجد عدداً آخر من الروائيين والقصاصين ممن تتملكهم الرغبة نفسها في التحرر من "أفعال القول" السوابق للحوار، ما يحملنا هنا على السؤال: كيف تولـّد لدى هؤلاء الكتـّاب ذلك الإحساس المشترك بالحاجة إلى تحرير الحوار من أفعال القول، في سردياتهم..؟، على أنَّ روائيين آخرين لم يكتفوا في حواراتهم بهذه الأفعال، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك  بإضافة عبارات لواحق بعدها، تُضفي على الشخصية المتحاورة حالات نفسيّة تعتريها، في أثناء تبادل الحوار، مثل "قال بلطف، أردف بنبرة مطمئنة، ابتسمت باستهزاء"، ما تسبغ مثل هذه الصيغ تفسيراً خارجاً عن سياقات السرد، إضافة إلى ما تؤديه من رتابة تؤثر في انسياب السرد وسلاسته. وعلى النقيض من ذلك يحاول روائيون آخرون مثل "كورتاثار" أن يشي بالنبرة أو التوتر أو تنويع الأداء في التعبير عن الحالة النفسية للشخصية المتحاورة، داخل لغة الحوار، ما يجعل الحوار في سياق وظائفه نابضاً بالحيوية، تنطبع في لغته حدّة التوتر أو الاسترخاء للحالة النفسية التي عليها الشخصية القصصية؛ ولعل هذا ما يعنيه "فلوبير" حينما كان يكرر أمنيته "أن يرسم بالحوار" لا أن يكتب حواراً، وهو إحساس مبكّر جداً بما ستؤول إليه الرواية الحديثة نصّاً مرئياً لا مقروءاً، يكون الحوار المُتقَن فيها، جزءاً عضوياً من ذلك المرئيّ المُدهش.لقد أدركَ عدد من الروائيين والقصاصين ما تحدثه "أفعال القول" من فصلٍ مصطنع للأصوات المتحاورة في البنية السردية، فعمدوا إلى عدد من البدائل، منها: التخلص من الحوار أو تقليص مساحته، أو وضع أفعال القول في نهاية جملة الحوار، أو قطع جملة الحوار ووضع أفعال القول في أثنائها، أو الاستعارة، في حدودٍ ضيّقة، تقنية "تيار الوعي"، او تحويل الحوار المباشر إلى حوار غير مباشر، وفي التقنية الأخيرة تفقد الجملة المحكية نبرتها الخاصة، حسب سيزا قاسم ، إذ يُضفي عليها التحويل ظلالاً من أسلوب السارد، فإذا أخذنا على سبيل المثال في قصة ما ، الجملة التالية: قال، ما أسعدني، وحوّلناها إلى أسلوب غير مباشر، تُصبح : قال إنه جدّ سعيد، وهنا تفقد الجملة التعجبية, بنيتها الإنشائية وتتحوّل إلى جملة خبرية، وينعكس هذا التحويل من جانب آخر على أبعاد دلالات أسلوبية وتعبيرية متعددة. إن ظهور الرواية الحديثة اقترن باختفاء صوت السارد ونفيه من الرواية، في الوقت الذي أصبح فيه صوت الشخصية الروائية واضحاًً، ما جعل ورود أفعال القول في الخطاب الروائي الحديث، يبدو صدىً باهتاً لصوت الراوي في الحكايات الشعبية.إنّ لجوء الكاتب إلى أحد هذه الخيارات في الحوار، تتحكم به ضرورة العمل الفني أكثر من امتثال الكاتب لقيمة جمالية عشوائية، إذ أنّ اختياراً ما لعملٍ ما قد لا يصلح لغيره، لكنّ تلك الخيارات، غالباً ما تقدّم بدائل، قد تكون مُجدية لتجنّب السقوط في تكرار أفعال القول التقليدية في السرد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram