TOP

جريدة المدى > عام > يحيى الشيخ: اللوحة هي مختبر يدي وافكاري.. مساحة اللعب واستثناءاته

يحيى الشيخ: اللوحة هي مختبر يدي وافكاري.. مساحة اللعب واستثناءاته

نشر في: 9 أغسطس, 2021: 09:35 م

يرى طرائق جديدة للرسم وطرائق جديدة للكتابة وكلاهما لا يقومان بمعزل عن الآخر

حاوره :علاء المفرجي

الفنان والكاتب العراقي يحيى الشيخ ولج من أبواب الفن، بعدة توفرت له وحده – أو هكذا يضن – فابتداء من بيئته الأولى، قرية «اللطلاطة» على خاصرة دجلة جنوب العمارة، شمال قلعة صالح التي كانت منبعاً لتلمس تفاصيل الطبيعة والإحساس بها، وتأثر كثيرا بالبيئة التي نشأ فيها وسط الموروث الصابئي المندائي. وليس انتهاء بتتلمذه على يد رواد الفن التشكيلي في بغداد، في أكاديمية الفنون الجميلة التي تخرج فيها عام 1966، ثم دراسته الماجستير في الكرافيك عام 1970 في يوغسلافيا، والدكتوراه في علوم الفن من معهد البحوث النظرية موسكو 1984. أحب الرسم منذ الصغر وصقل موهبته الفنية بالدراسة الأكاديمية

القسم الثاني

ولد الشيخ عام 1945 في مدينة قلعة الصالح في العمارة جنوب شرق العراق، قرية اللطلاطة التابعة لقلعة صالح في العمارة، أحب الرسم منذ الصغر وصقل موهبته الفنية بالدراسة الأكاديمية. اقام اكثر من عشرين معرضا تشكيليا في الغرافيك والرسم واللبّاد بين بغداد وموسكو وطرابلس الغرب وتونس وتروندهايم في النرويج ولندن ومسقط وباريس، إضافة إلى مشاركاته العديدة في بيناليات عالمية منذ عام 1969: لوبليانا، كراكوف، وارشو، بوينس آيرس.

ينتمي الشيخ إلى جيل ستينات القرن الماضي الذي استلهم الكثير من تجارب جيل الخمسينات وجماعة «الرواد» و»جماعة بغداد للفن الحديث» من أمثال جواد سليم وإسماعيل الشيخلي وفائق حسن ومحمود صبري وغيرهم.

حاورته المدى للوقوف عند اهم محطاته في الحياة وفي الفن.

 الكتابة كما في سيرة الرماد هي شكل آخر للرسم .. ما تعليقك؟

- أن الأسئلة عن الوجود، كما الأسئلة عن الرسم تبدأ في الاقتراب من بعضها البعض، والبحث يصبح بحثين متوازيين، والشكوك تنهال، والايمان يتزعزع، والرسم الذي تعتقد أنه مثل البداهة، مثل حكة ظهر، مثل قبلة، سيفاجأ بالحياة، ومن ثم يضرب بالهواجس والتفكير، بما يشبه تصادم كوكبين.

فيما أنت تمارس الرسم سيقول لك قرينك الغامض: إنك ما زلت في مدينة عبرتها أيام غربتك التي طالت، وأن اسرارك جاءت من مدينة أقدم منها لا مكان لها الآن... من هي؟ لكنها كانت في الحقيقة عشرات المدن التي رأيت فيها ظلي يمشي معي أو يسبقني بخطوات، أو يختفي، وشعرت بدوار، وحنين إلى الوطن والغضب منه. المدن التي علّمتني المشي إلى الأبد.

دائما تلك الشظايا التي تمرق فيك وتنزف من أجل أن ترسم، أو تحاصرك لكي تستغرق بتفكير حزين يوصيك بالفرار من المحترف، الإخفاق في عشرات المحاولات، والاختناق بالرسم، والشعور بالخوف من أن احتباساً ما أصابك لا مخرج منه... فمن يحميك؟

«سيرة الرماد» أسست للضياع وانبرت لتحميه، سجلته وأكدت عليه، عندما كنت في أمس الحاجة إلى العكس تماما. عندما نحصي ما بقي لدينا، يعني ضمنا اننا نسجل ما فقدناه وضاع إلى الابد.

لا زاوية آمنة خالية من الشظايا، في الحياة وفي الرسم، يمكن الركون إليها. ما أن تبدأ حتى تكرر بدايات أخرى، فيتجدد شكك بالطمأنينة.

حاولتُ في كتابي أن أجمع الحياة والرسم لكي أستطيع أن أجد ما يشبه السيرة. عندما أقرأ «البيوغرافي» الخاص بي، هذا الذي اعتاد جميع الرسامين وضعه في كتبهم الفنية، أشعرُ بامتعاض، فها هي سيرة خالية من الحياة. ما نفع كل هذا التسجيل، وما لا يسجل هو ملكيتي الوحيدة حقاً، الخفية والمبعثرة التي أعجز عن لملمتها بسهولة؟

لا فخر في هذا التاريخ وأماكن العيش... إنني أقف حائراً... لكأني مارست حياة ليست حياتي... وكأني اتكئ على الهواء. ليس من التواضع، بالعكس، بل من الطموح الذاتي في أن أجد نفسي حقاً، حقيقياً، خارج الصيّغ التاريخية، غير مجرور ولا مدفوع من قوة في الخارج، في سيرة فنية تعبث بها الحياة والبيولوجيا والزمن، مبعثرة في كل مكان. ما الذي صنع لي كل هذه الحياة والاختيارات والمصادفات غير كسوة اللحم والعظام والاعصاب، وشرايين الدم، ومنافذ الحس، وهذه التي أطلق عليها بوجع: بلادي!

 تنتمي الى جيل الستينات في العراق، ذلك الجيل الذي زامن اهم احداث العالم المفصلية، مالذي تعني لك هذه النشأة كفنان، وما الذي تبقى من الستينيين؟

- ما جاءت به ثورة تموز وما أعقب سقوطها المروّع نحت سنين الستينات، التي تفاقم فيها الوعي بالمرارة والثأر للنفس. في العالم كان هناك ثورات وثورات مضادة، وتيارات فن وكتابة جرفت المعايير القديمة وطفحت بمفاهيم أخرى... لم يكن لدينا آنذاك غير أن ننتبه ونبحث عن طرق غير سالكة، يحدونا شعور بالتمرد وتسخيف الواقع ونصرة الحياة. كنا ندفع التخوم بصدور عارية باتجاه افق صريح.

في بغداد، التي وصلتها عام 1962 وهي تغلي بالصراعات الاجتماعية /السياسية، وجدت نفسي بعد اربعة أشهر بين اسوار سجن عملاق مع آلاف الشيوعيين، خرجت منه وقد تصدعت مرآة الشاب الجميل الذي كنته، وانتثر في وجه أيامه الكثير من بثور العبث واللا جدوى، فساقتني قدماي إلى قطب الرحى وسط فوج مثقفين وسياسيين، ملتزمين وفوضويين، ينتجون الثقافة ويأكلونها، وكانت نعمة فائضة بيننا، فأخذت نصيبي منها. كان الاصدقاء مدرسة حرة مفتوحة في كل مكان، في المقاهي والحانات والغرف المستأجرة الرخيصة، في الكتب ومعارض الفن، كانوا مدرسة للحياة والمعرفة. ما تعلمته منهم لم اجده في أية مدرسة اخرى. مهما كانت مثالبهم، كانوا حقائق ملموسة يعطون ما لديهم ولا يأخذون غير الحب والشتائم ساعة الغضب. كنت فخورا بوجودي ضمن فيلق باسل منح الثقافة العراقية خصوصيتها وعمق اصالتها. أخشى من تعدادهم قد أنسي أحدهم؛ لكني سأغامر وفاءً لهم واذكر الأوائل منهم: ابراهيم زاير، شاكر حمد، انور الغساني، مؤيد الراوي، فائق حسين، هاشم سمرجي، بسام الوردي، طالب مكي، صالح الجميعي، رياض قاسم، عبد الرحمن طهمازي، سهيل سامي نادر، جودت حسيب، مكي حسين، صادق سميسم، خالد النائب، علي النجار، مريم سناطي، صادق الصائغ، وجدان نعمان ماهر... لابد أني نسيت الاقرب إلى قلبي تحت ركام الأيام البائدة.

 الستينيون هم امتداد طبيعي لجيل الرواد.. ما الذي اثر في يحيى الشيخ من الرواد فنيا؟ وما حدود هذا التأثير.؟

- الستينيون ليس امتداداً لجيل الرواد إلا في التسلسل الزمني، وإذا اعتبرنا التراكم حقيقة تاريخية، فالانهيارات حقيقة أخرى أشد بأساً. غير هذا كانوا على طرفي نقيض، قطبين متنافرين كلياً. رفض الستينيون مفاهيم الرواد واساليبهم مع تقديرهم العالي لما وصلوا اليه من مكانة عالية ربطت الفن بتاريخ البلد وحياته المعاصرة. ربما ورثوا منهم روح المغامرة والشجاعة، لكنهم من جانبهم ابتدعوا ما جادت عليهم معارفهم الحديثة ذات المصادر المتباينة.

انبثاق أكاديمية الفنون الجميلة عام 1961بمنهجها الحديث واساتذتها الأجانب لعب دوراً أساسيا في اقصاء طرق التدريس التقليدية، وفتح الباب على مصراعيه امام التيارات الفنية بلا ضوابط ولا احراج...(الغيت الاكاديمية على أثر انقلاب 63 وسمح لطلابها، دورتين، اكمال دراستهم على ما قبلوا عليه، فيما تم تأسيس أخرى ملحقة بالجامعة بشكل وجوهر مغاير). ساهمت الكتب الفلسفية والأدبية التي غزت الأسواق، ومجلات الفن العالمي (مجلة ستوديو الغزيرة بأخبار الفن الحديث ومجلة بروجكت البولونية التي واكبت تطور الفنون وتياراته)، واتساع النشر المحلي للنقد الفني، ساهمت بإنضاج سريع للفن والفنان. انبثاق الجماعات الفنية، وعلى رأسها جماعة «المجددين»، والزخم الشديد للمعارض الفنية، وجّه الفن العراقي والثقافة العراقية نحو مناطق جديدة استدعت البحث عن لغة جديدة أعمق بلاغة وتعبيرية. في بيان «المجددين» الأول الذي صاغه عرّاب الجماعة الشاعر مؤيد الرواي ورد ما يختزل صورة الستينيين: «وعلى خلاف الآخرين، يحاول المجدد أن يطرح نفسه ككائن واحد لصيق، دوماً بالتجربة، دون أن يحدث انفصالاً بين مفهوم وآخر، ويدق إسفيناً بين حياته كفرد وحياته كفنان يعيش رؤى خاصة».

لم تشهد السيتنيات أية سلطة تحكمت بالثقافة، فقد كانت السلطة السياسية هشة والقوى السياسة منشغلة بانقلاباتها وانقلاباتها المضادة، فأخذ المثقفون راحتهم وحريتهم الكاملة في انتاج ما يريدون. وشهد النصف الأول من السبعينيات صعود موجة الستينين إلى مداها الأعلى ثم انحسارها مع تعاظم بأس السلطة وممارسة الدكتاتورية اساليب القمع والاقصاء والاغراء، فهاجر منهم من هاجر ورضخ من رضخ، ودعنا ننسى من بايع وخدم بلا ضمير.

بلا مغالاة، أرى أن الروح الحية للفن العراقي اليوم، أو ما تبقى منها، يدين بفضل كبير للستينين.

 من بين كل كل ما انجزت وفي مختلف اهتماماتك ..السرد، الرسم، الكرافيك .. ما الذي تريد ان تصل اليه في النهاية ؟ هل حقق منجزك ما تطمح اليه؟

مادمتُ قد فعلتُ كل هذا علناً أمام الناس (السرد والرسم والكرافيك...) بثقة وصدق أقول: ليس من نهاية اسعى إليها، ولا اريد الوصول إلى النهاية ولا إلى أية نهاية مهما كانت عظيمة. حياتي منظومة مشاريع ما أن ينتهي واحد اشتغل على الآخر، ما أن يبدأ النهار اشتغل حتى النهار الذي يليه، والنوم بينهما تجارب على الموت الأليف.

وسؤاك الأخير؛ هل حققتُ ما أطمح إليه! أقول ويدي على قلبي: نعم! حققتُ أعظم انجاز استغرق السنين بأسرها؛ حققت حياتي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

كوجيتو مساءلة الطغاة

علم القصة: الذكاء السردي

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

أوليفييه نوريك يحصل على جائزة جان جيونو عن روايته "محاربو الشتاء"

مقالات ذات صلة

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر
عام

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

حاوره: علاء المفرجيرواء الجصاني من مواليد العراق عام 1949، -أنهى دراسته في هندسة الري من جامعة بغداد في عام 1970، نشط في مجالات الاعلام والثقافة والفعاليات الجماهيرية داخل، -العراق حتى العام 1978، وفي الخارج...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram