محمد حمدي
مشهد مؤلِم جسّدهُ بعض الصبية الذين تأسّوا على حال الرياضة والرياضيين في عراق اليوم، والمشاركة البائِسة والمستنسّخة بؤساً في أولمبياد طوكيو، هو أشبه بمشهد الحكواتي، تمّت صياغته ببراعة على هامش جلسة شعرية في إحدى مناطق بغداد الشعبية حي الحرية.
المشهد صوّر حصول عدد من اللاعبين العراقيين على ميداليات أولمبية في عالم الخشيال والاحلام، مصارع غاب عنه الاسم ولاعب جودو اختفت ملامحه وفريق لكرة اليد هم مجرد ظلال ولاعبة سباحة دمية من عالم الفنطازيا اسمها (مستحيلة)!
المهم في الرواية، أن الإعلان عن الميداليات قلب البلاد رأساً على عقب، وأعلن عن تعطيل الدوام الرسمي لشهر ونصب الرئيس ونائبه بتعدّد المسمّيات سرادقهم وقطعوا الطرق وتسابقوا في إقامة مجالس الشعر التي تمجّد دعم المسؤول الأولمبي!
المشكلة أن المستقبلين وزمجرتهم العالية منعتْ طائرة وفد الفائزين من الهبوط، وألغت رحلتهم أصلاً واستيقظ النيام بعد ألف عام على وقع أولمبياد دارفور في السودان، وحصيلتنا صفر من الميداليات!
اخترتُ مشهد الحكواتي آنف الذكر لما فيه من تعبير يعكس حالة الجزع التي تعيشها جماهيرنا الرياضية الكبيرة المُحبطة التي ستمرّ عليها أحداث أولمبياد طوكيو التي اختتمت الأحد الماضي مرور الكرام، وتبقى رقماً مجرّداً لدورات أولمبية صاحبتنا فيها المرارة والخذلان بكل تأكيد ليكون تواجدنا فيها أقل من أن يُذكر أو يُشار اليه عربياً وقارياً أو عالمياً كالمعتاد في الوقت الذي زيّنت صدور أبطال العرب حصيلة معقولة من الانجازات والتتويج الذي تباين بين ظهور أكثر من مشرّف كما هو الحال مع مصر وقطر وتونس أيضاً.
وأرى أن أقف عند بعثة مصر المشرّفة جداً التي ناهز عددها 141 رياضي ورياضية بمختلف الألعاب الفردية والجماعية، ولامست القمّة باقتدار في كرة اليد والسباحة الإيقاعية وإن لم تنل الميداليات، وتألّقت الكراتيه بسواعد الجميلة الرشيقة فريال أشرف التي صفّقنا لها ولشجاعتها وقمّة المهنية والابداع لمدرّبها ومصنع الأبطال المدرب وليد الذي تبنّى البطلة من عمر 8 سنوات وصنع منها ومن غيرها بطلات يشار لهنّ بالبنان قولاً وفعلاً وليس مجرّد ادعاءات وتزييف وكلام فارغ من المضمون كما نسمعه يومياً من عشرات المحسوبين على الرياضة المحلية!
اعتقد جازماً أن السنوات الأربع الأخيرة قد أجهزت على البقية الباقية من رياضة العراق، وتلاشت معها احلامنا بتلاشي الألعاب الفردية التي كنّا يوماً من الايام نحمل معها بارقة أمل فإذا بها تموت اليوم بعد الذي شاهدناه في طوكيو والبون الشاسع الذي تركنا الركب يسبقنا فيه ونحن نتراجع بسرعة هائلة جداً.
ليظنّ من يظنّ أن الحديث مُحبط جداً ولا يبقي ذرّة أمل جديدة ننطلق منها وليُحاجِج من لديه حجّة بهذا الاتجاه، وانا سوف أقبل التحدّي ليس لمجرّد الألعاب فقط، بل لمجرّد إنتهاء مشاكل الاتحادات والأندية والمؤسّسات واستئثار المناصب والاستثمار والتمويل، نعم كلّنا نتمنى ان يكون لنا ربّاع مثل البطل الذي شرّف سوريا والعداء الذي أسعد المغاربة والرامي الذي نال ميدالية رائعة للكويت وعدّاءة البحرين التي زيّنت صدرها بالفضّة، ولكن التمنّي شيء وما يحصل على الأرض شيء آخر تماماً.