عدوية الهلالي
خلال عملي الصحفي.. تنقلت بين أماكن عديدة تركت أثرا في نفسي وذكريات لا تنسى ووجوه لاتسقط من الذاكرة.. استقيت من تلك الاماكن التجربة والخبرة والمعرفة التي صقلت ادواتي الصحفية واضافت الكثير الى شخصيتي فمنحتها بدوري العطاء والانجازات..
ولكن، هنالك من بين تلك الاماكن من اجتمعت فيها كل تلك العناصر.. التجربة والذكريات والوجوه الأثيرة لذا شعرت بالانتماء اليها.. والشعور بالانتماء لا يكون الا للمكان الذي يمنح المرء الدفء والأمان والاحتواء..
جريدة (المدى) هي واحدة من تلك الاماكن بل اكثرها قربا الى نفسي فهي المكان الذي منحني الاحتواء والأمان لأني اعتدت ان اجد فيه حيزا مخصصا لي حتى عندما ابتعد او تشغلني الحياة لفترة.. أشعر احيانا انني ابنة مدللة لـ(المدى) فهي تحتضن افكاري ونتاجاتي بين صفحاتها اليومية وتمنحني حظوة يحلم بها العديد من الكتاب والمثقفين الذين يجدون في المدى رمزا للثقافة الرفيعة والصحافة النظيفة الجريئة..
اليوم.. تقطع جريدة (المدى) شوطا يدعو للفخر والزهو ببلوغها العدد (5000) على الرغم من كل العراقيل التي واجهت الصحف الورقية واجهزت على اغلبها وحولت البعض منها الى صحف الكترونية.. فما زالت (المدى) ترفض الاستسلام لمفاتيح الحواسيب الباردة فقط وتفضل رفد قرائها بأفكار ومواد تحملها اليهم الصفحات الورقية يوميا فضلا عن تحول تلك الجريدة الى مؤسسة متكاملة تسعى الى سلوك سبل متعددة لدعم الثقافة في العراق فالصحيفة الورقية اضحت مجموعة متضافرة من منابع الابداع مابين اذاعة ووكالة اخبارية وقناة فضائية ودار نشر ولم تكتف بذلك بل تركت بصماتها واضحة في ساحة الثقافة العراقية مع كل نشاط ابداعي كبير تقيمه كمعارض الكتب الدولية والفعاليات المتعددة التي يقدمها بيت (المدى) لعشاق شارع المتنبي والتي تحرص غالبا على الاحتفاء بالمبدعين الراحلين والاحياء من مختلف المشارب والفنون .. هاهي (المدى) اذن تتحدى العجز والخواء والقصور في الشارع الثقافي بشموخها وبجهود العاملين فيها بانتماء حقيقي ابتداء من المسؤولين الكبار ورؤساء الاقسام وحتى الجنود المجهولين الذين تولد (المدى) يوميا لتمنحهم فرحة الولادة الجديدة والقدرة على الاستمرار أي انها تمنحهم (الأمل) الذي نتعطش اليه جميعا ونحن نخوض رحلة الحياة في زمن مرهق.. تحية وتبجيل لكل من أسهم في منح الأمل لنا باستمرار ولادة (المدى) وتعدد منابعها الثقافية وتحية للساهرين على وصولها الى أيدي القراء ولكل الوجوه الرائعة التي تركت فيها آثارها ورحلت او ما زالت تواصل العطاء والابداع..