TOP

جريدة المدى > عام > الجواهري.. قصائد ومقامات، في حواضر ومدن العراق (1/2)

الجواهري.. قصائد ومقامات، في حواضر ومدن العراق (1/2)

نشر في: 14 أغسطس, 2021: 11:06 م

رواء الجصاني

لا يُحسب ديوان محمد مهدي الجواهري (1899-1997) حافظة قصائد وشعر وحسب، بل راح سجلا لوقائع واجواء تغطي نحو سبعة عقود من الحياة الشخصية، والسيرة الذاتية،

الى جانب من (بل وبتشابك مع) تاريخ البلاد العراقية الحديث، بأتراحه وأفراحه، الثقافية والاجتماعية والسياسية، وما يتفرع عنها من محاور واتجاهات ..

وحين نوثق في هذه الكتابة عن قصائد و "مقامات" الجواهري في حواضر ومدن العراق، انما يصحب ذلك العديد من المؤشرات الحاضرة وضوحاً او ضمناً، برغم اننا لم نفصل الا قليلا في الحصر والتعداد والتأشير. وبخلافه فأن الأمر يتطلب تفاصيل كثيرة تسبق نظم ونشر القصيدة، ومناسبتها ومكانها وزمانها وما الى ذلك، وهذا ما يحتاج لمساحات كتابة واسعة، وجهدا اوسع، ليس في غاية وهدف هذا التوثيق، الان على الاقل. ومع ذلك فلربما ستوفر بضعة خلاصات في الخاتمة ما يفيد على تلكم الطريق.. وفي التالي القسم الاول من قسمين :

1

بيـن النجـف وبغـداد

في النجف، مدينة الفقه والادب، ولـد الجواهري ونشأ ويفـعَ، وتمترس، على مدى ربع قرن، لينطلق منها الى بغداد.. وقد بقـيّ افتخاره بـ «نجفيته» يرافقه تاريخا وزيارات وذكريات، موثقا لمدينته ومتحدثا عنها في مختلف مراحل حياته. وعلى ما ندري فأن زيارته الاخيرة الى النجف كانت عــام 1975 خلال حضوره احتفاء نظمته على شرفه جمعية الرابطة الادبية بمناسبة منحه جائزة «لوتـس» الدولية لادباء اسيا وافريقيا . والقى هناك - من بين ابرز ما القى- ابيات من دالية شهيرة بعنوان “ازح عن صدرك الزبدا” وكانت جديدة لم تكتمل بعد .. اما في مفتتح الاحتفاء فقد القى بعض شكر عجول للمضيفين والحاضرين الذي جاء عددهم سابقة في كثرته وتنوعه، كما تحدث اكثر من شاهد عيـان:

مقــــامي بينكمْ شكرُ، ويومي عندكمْ عمـرُ..

سيصلحُ فيكمُ الشـّعرُ، إذا لـم يصلح ِالعذرُ

.. كما من المناسب ان نشير هنا ايضا الى “الكوفة” - وهي شقيقة النجف، وتتكامل معها- وكم تغنى بها الجواهري شعرا ونثرا، ومن بينها داليته العصماءعام 1969 والموسومة : (يا آبن الفراتين) حين قال مخاطبا المتنبي «صديقه» و»جاره» و» لصق داره» كما كان يصفه مرات عديدة، حين يتطرق لذكره:

أنا ابن «كوفتك» الحمراء لي طنبٌ، بها، وإن طاحَ من أركانها عمدُ

جوار كوخك لا ماءٌ ولا شجرٌ، ولصق روحـك لا مالٌ، ولا صفـدُ

ولا شكاةٌ أيشكو السيفُ منجردا، لا يخلق السيف إلا وهو منجردُ

 

... اما بغـداد - مدينة الجواهري التالية بعد النجف - حيث أقام فيها وثبت وانتشر وتمكن، منذ اواخر العشرينات الماضية، خائضا فيها غمار الوظيفة والصحافة والسياسة، وقبل كل هذا وذلك: الشعر والشعر، وعلى امتداد عقود. وكان اخر حضور له في بغداد مطلع العام 1980 ليغادر- بعد اشتداد الوضع في البلاد مآسيا وارهابا وعسفا، في ظل السلطة البعثية الحاكمة- وليغترب منذ ذلك الحين الى الخارج، متناصفا بـراغ، ودمشق الذي رحل فيها الى عالم الخلود بتاريخ 1997.7.27 ..

اما ما كتبه شعرا عن بغداد، فكثير كثير فـ “ لها الله ما أبهى، ودجلة حولها، تلفُّ كما التفَّ السوارُ على الزند” .. وقد ضم الديوان العامر في حب بغداد، خمس مغنيّات، ونحو 30 ذكـر لها في قصائد مختلفة، بين التغزل بها والتأمل فيها، والسعي لأستنهاضها. (1)

2

سامراء.. وساعة مع البحتري / 1929

يتردد الجواهري، ويتنقل كما هو عهده، الى هذه المدينة والبلدة العراقية او تلك، تغييرا في الاجواء، واستكشافا واستلهاما، وبدون حدود . ومن بين اوائل تلك الاماكن والمدن كانت سامراء التي كتب عنها عام 1929 عينية وصفية بعنوان (ساعة مع البحتري في سامراء).. ثم اوحت له المدينة العريقة، بعد زيارة أخرى لها عام 1932 فقال عنها في مطولة بسبعة وسبعين بيتاً:

خُلدّتِ سامراءُ، لم أوصلكِ من، فضلٍ، حشدتِ عليّ غير قليلهِ

يا فرحة القلب الذي لم تتركي، أثراً للاعج همه ودخيله

ولقد غلوتِ فكم بقلبي خاطرٌ، عجزت معاني الشعر عن تمثيلهِ

3

في الرستمية.. وعن القرية العراقية / 1932

لاسباب خاصة وشخصية، يتوسط الجواهري عند اصدقاء له في وزارة المعارف عام 1936 طالبا نقله من مدرس في النجف، الى دار المعلمين الريفية في ضاحية (الرستمية) على حدود بغداد العاصمة، وهي منطقة مزهرة خضراء، وقد نظم هناك خلال فترة عمله قصيدة وصفية جاء فيها:

كم فـي الطبيعة من مَعنى يُـضـيّعُـهُ، على القراطيس نقصٌ في التعابيرِ

هنـا الطـبيـعـة نـاجتني مـعبّـرَةً، عن حسنها بأغـاريـد العصافير

وبالحفيف من الأشـجار منطلـقـاً، عَبْرَ النسيمِ وفـي نفح الأزاهيـرِ

.. كما نشير - للتوثيق ايضا- الى ان الجواهري كان قد نشر في العام ذاته (1932) بائية، وصفية، عن بعض ملامح الريف في قرى، وبلدات فراتيــة، عراقية، زارها سريعا حينا، اوقضى فيها بضعة ايام وليال، ومن ابياتها:

للقُـريّــــات عـالَمٌ مُسـتـقـلّ، هو عن عالَمٍ سواه غريــبُ

يتساوى غروبُهم وركودُ النفس منهم وفجرُهم والهُبوب

كطيور السماءِ همّهُمُ الأوحدُ زرعٌ يـرعَـوْنــــه وحبـوبٌ

4

في الحلــة / 1935

تعود علاقة الجواهري بالحلة واهلها منذ فتوته وشبابه: زيارات وعلاقات، ومدرسا في معاهد تعليمها، خلال النصف الاول من ثلاثينات القرن الماضي، اضافة لوشائج صداقة مع اعيانها وشخصياتها الثقافية، ولسنوات مديدة.. وفي عام 1935 يخص الحلة شعرا، حين نظم شبابها حفلاً تكريمياً له، فيرد لهم التحية بأجمل منها، جاءت في قصيدة بأكثر من خمسين بيتاً، شملت ايضا بعض تنوير، ووقفات تأريخية موجزة:

أبناءَ بابلَ للاشعار عندكمُ ، عمارة لم يشيّد مثلها بان

ودولةٌ برجال الشعر زاهرةٌ ، معمورةٌ بمقاطيع واوزان..

هنا مَشَى الفـذُّ «بانيبالُ» مُزدَهياً، في موكِبٍ بغُواةِ الفنِ مُزدان..

من هاهنا كان تحضيرٌ لأنظمةٍ، في المشرِقَينِ وتمهيدٌ لأديان..

هنا «حمورابِ» سنَّ العدلَ معتمداً، به على حفظِ أفرادٍ وعمران

5

«بنـت أرسطاليس» فـي مدينة “الحــيّ» عام1947

كثيرا ما كان الجواهري يشير في الحوارات التي أجريت معه، انه كثيرا ما يغتنم هذه المناسبة او تلك لبث الشعر، شكوى او تنويرا، او تأكيدا على هذا الموقف وغيره .. وهكذا جاءت فرصة افتتاح اول ثانوية في مدينة (الحي) بمحافظة واسط ( لواء الكوت حينها) عام 1947 فيدعى لتلك المناسبة، مع وجوه وشخصيات سياسية واجتماعية رفيعة، ويلقي دالية مطولة شملت شؤونا ورؤى ثقافية وتنويرية وسواها.. ومن ابياتها :

يابنتَ (رِسطاليسَ) لُحتِ (بواسطٍ) فَنزَلت «حيّــاً» بالصبابة حاشدا

خَصِبَ الشُعور وستَحمَدين مولّهاً، من أهله، ومُغازِلاً، ومُراوِدا..

وأذلّ خلقِ اللهِ في بَلـــَدٍ طغت، فيه الرزايا من يكونُ محايدا

يتبع القسم الثاني والاخير

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

كوجيتو مساءلة الطغاة

علم القصة: الذكاء السردي

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

أوليفييه نوريك يحصل على جائزة جان جيونو عن روايته "محاربو الشتاء"

مقالات ذات صلة

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر
عام

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

حاوره: علاء المفرجيرواء الجصاني من مواليد العراق عام 1949، -أنهى دراسته في هندسة الري من جامعة بغداد في عام 1970، نشط في مجالات الاعلام والثقافة والفعاليات الجماهيرية داخل، -العراق حتى العام 1978، وفي الخارج...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram